فقالوا : لله ، لم يجدوا بدّا من أن يقولوا : لله وأن يقروا ؛ لأنهم لو أنكروا ذلك لظهر جهلهم عند كل الخلائق ؛ فقالوا : لله ؛ فيقول : فإذا عرفتم أن ذلك كله له ، وهو خالقهم ، فكيف تركتم طاعته ، وأنا لست أدعوكم إلا إلى ذلك : أن تجعلوا الأرض وما فيها كله لله ؛ أفلا تتعظون وتقرون بما أدعوكم إليه ؛ وعلى ذلك قوله : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) لا بد لهم من أن يقروا بذلك ، فإذا عرفتم بذلك وأقررتم به : (أَفَلا تَتَّقُونَ) : مخالفته ، وتتقون نقمته.
وكذلك ما قال : (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ).
فإذا عرفتم ذلك ، وأقررتم به ، (فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) :
قيل : فأنى تصرفون عن ذلك.
وقال بعضهم : فأنى تخدعون وتفرون في ذلك ؛ إذا عرفتم أن ذلك كله لله.
وجائز أن يكون قوله : (فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) : رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتقولون : إنه ساحر كذاب ، وهو ليس يدعوكم إلا إلى ما أقررتم واعترفتم به ؛ فأنى تنسبونه إلى السحر ، والله أعلم.
وقوله : (مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) : قد ذكرناه فيما تقدم.
قوله : (وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ).
أي : هو يؤمن كل خائف ، ولا يقدر أحد أن يؤمن من أخافه هو ، وهو كقوله : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ ...) الآية [يونس : ١٠٧].
قال أبو عوسجة : قوله : (وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ) ، أي : لا يمنع ، (وَلا يُجارُ عَلَيْهِ) ، أي : لا يقدر أحد أن يمنع منه أحدا ؛ (فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) ، أي : تغرون وتخدعون ، تقول : سحرت ، أي : خدعت وغررت ، وقال : تسحرون ، أي : تخدعون وتصرفون عن هذا ، وسمي السحر من هذا.
وقوله : (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِ).
قد ذكرنا أنه يحتمل وجوها :
أحدها : بالحق ، أي : بوحدانية الله ، وألوهيته ، وتعاليه عن الشركاء والولد ، وعما وصفوه.
أو أن يكون قوله : (بِالْحَقِ) ، أي : بالقرآن الذي عرفوه أنه حق ، وأنه من عند الله.
أو أن يريد (بِالْحَقِ) : محمدا صلىاللهعليهوسلم عرفوا أنه حق وأنه رسول الله إليهم.
أو أن يكون (بِالْحَقِ) ما ذكر : من ذكرهم ، وما فيه شرفهم ومنزلتهم.