الْأَصْنامَ) [إبراهيم : ٣٥] ، وإن كان وعد لهم العصمة عن ذلك ، والله أعلم.
وقوله : (وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ).
هذا أيضا يحتمل وجهين :
أحدهما : يخبر رسوله أنه ليس لعجز يؤخر ما وعد لهم من العذاب ؛ ولكن لحلم منه وعفو ، وهو كقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ) [إبراهيم : ٤٢] : على التنبيه والإيقاظ ؛ فعلى ذلك يحتمل هذا.
والثاني : يعزي رسول الله ويصبره على أذاهم إياه ، يقول : إني مع قدرتي على إنزال العذاب عليهم والانتقام منهم أحلم عنهم وأؤخر عنهم ؛ فأنت مع ضعفك عن ذلك أولى أن تصبر على أذاهم ، وعلى هذا يخرج قوله : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) ، أي : لا تكافئهم لأذاهم إياك ، ولا تشغل بهم بمجازاة ذلك [وادفع] بأحسن [من] ذلك وكل مكافأتهم إلىّ حتى أنا أكافئهم.
(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ) من الكذب والأذى الذي يؤذونك.
والثاني : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) ، أي : ادفع سيئاتهم المتقدمة بإحسان يكون منك إليهم ؛ ليكونوا لك أولياء وإخوانا في حادث الأوقات ، وهو كقوله : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت : ٣٤].
وقوله : (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ. وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) ، وقال في آية أخرى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) [الأعراف : ٢٠٠] علم رسوله وأمره أن يتعوذ به من الشيطان الرجيم اللعين إذا نزغه ـ ونزغه : وسوسته ـ وأمره أيضا أن يتعوذ من همزه ، وهو : همه وقصده بذلك ، وأمره أن يتعوذ بحضورهم مكان الوسوسة ؛ حتى يدفع عنهم ولا يحضرون ذلك المكان ، وكأن التعوذ عن نزغهم ؛ ليدفع عنه ؛ لئلا يؤثروا في نفسه بعد ما حضروه ووسوسوه.
والتعوذ عن همزهم : هو أن يدفع عنه طعنهم ونخسهم ؛ لئلا يشغلوه بالذي قصدوه به ، والتعوذ عن حضورهم مكان الوسوسة.
قال الحسن : همز الشيطان : الموتة ، والموتة : غشيان القلب ، روي في الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه كان يتعوذ من الشيطان الرجيم ، قال : «في همزه ، ونفخه ، ونفثه» (١).
__________________
(١) في الباب عن أبي سعيد الخدري :
أخرجه أبو داود (١ / ٢٦٥) ، كتاب الصلاة : باب من رأى الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك (٧٧٥) ، ومن طريقه البيهقي (١ / ٣٥) ، عن أبي المتوكل الناجي عنه قال : «كان رسول الله إذا قام من الليل كبر ، فذكر استفتاحه بسبحانك اللهم ، وبالتهليل والتكبير بعده ثلاثا ، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ونفخه ونفثه ثم يقرأ». ـ