[و] قوله : (إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها).
قال بعضهم : قوله : (إِنَّها كَلِمَةٌ) : هو قول الله : (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً ...) الآية [المنافقون : ١١] ، (قائِلُها) : يعني الكافر عند معاينة العذاب ، وهو قوله : (ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ).
ثم قوله : (كَلَّا) على هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه لا حقيقة لسؤاله الذي يسأله من الرجعة ليعمل العمل الصالح ، أي : أنه وإن ردّ ورجع لا يعمل ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) [الأنعام : ٢٨].
والثاني : أن لا منفعة لهم في سؤالهم الرجعة ؛ إذ لو رجعوا لا يصلون إلى ما يأملون ؛ لأنهم إنما يسألون ليؤمنوا ، والإيمان سبيله الاستدلال ، فإذا لم يستدلوا به وقت أمنهم وفسحتهم ؛ فكيف يقدرون على الاستدلال في وقت خوفهم؟! والله أعلم.
وقوله : (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).
قال بعضهم : وراءهم ، أي : أمامهم.
قال أبو معاذ : مشتقة من تواريت عنك ، فكل ما توارى عنك أمامك كان أو وراءك فهو وراءك.
وقال بعضهم (١) : (وَمِنْ وَرائِهِمْ) : على حقيقة الوراء.
(بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ، قال بعضهم : البرزخ : هو ما بين شيئين.
وقال بعضهم : البرزخ : هو الأجل بين الموت والبعث ، وهو قول الكلبي وقتادة (٢).
وقال مجاهد (٣) : البرزخ : هو حاجز بين الموت والرجوع إلى الدنيا.
وقال القتبي وأبو عبيدة (٤) : البرزخ : ما بين الدنيا والآخرة ، وقالا : كل شيء بين شيئين فهو برزخ.
وقال أبو عوسجة : البرزخ : ما بين الحدين ، يعني : الدنيا والآخرة ، الأرض المستوية ، وأصل البرزخ : الحاجز بينه كقوله : (وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً) [الفرقان : ٥٣] ، أي : حاجزا ، وتأويله ، أي : صاروا إلى الوقت الذي يحجزهم عما يتمنون ويشتهون ، وهو كقوله : (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) ، وإنما يشتهون ويتمنون الإيمان والأعمال الصالحة.
وجائز أن يكون قوله : (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ) ، أي : من ورائهم أحوالهم [أي : الحال
__________________
(١) قاله سفيان بن حسين ، أخرجه ابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٩).
(٢) أخرجه عبد بن حميد عنه بنحوه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٩).
(٣) أخرجه ابن جرير (٢٥٦٥٨ ، ٢٥٦٥٩ ، ٢٥٦٦٠) ، وانظر : الدر المنثور (٥ / ٢٩).
(٤) ينظر : تفسير غريب القرآن (٣٠٠) ، ومجاز القرآن (٢ / ٦٢).