(١١٥) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)(١١٦)
وقوله : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ).
ظاهر هذا أن يكون قوله : (رَبِّ ارْجِعُونِ) بعد الموت ، وبعد ما عاين أهوال الآخرة وأفزاعها ؛ لأن الموت ليس هو شيء يأتي من مكان إلى مكان ؛ إنما هو شيء يذهب بالحياة التي فيهم ، إلا أن أهل التأويل (١) قالوا : إن ذلك عند معاينتهم ملك الموت ، وعند هجومه عليهم بأهواله ؛ فعند ذلك يسألون الرجعة إلى الدنيا ، والأول أشبه وأقرب.
ثم قوله : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) : ليس هو صلة قوله : (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ* وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) ، ولا جوابه ؛ لأنه ليس من نوعه ، ولا من جنس ذلك ، ولكنه ـ والله أعلم ـ صلة قوله : (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) ، وجواب قوله : (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) ، ونحوه الذي تقدم ذكره ، يقول : وإنهم على ذلك (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) ، فعند ذلك يرجع إلى الحق والتصديق ، لكن ذلك لا ينفعه في ذلك الوقت (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) ، ولم يقل : ربّ ارجعني ، وذلك يخرج على وجهين :
أحدهما : سأل على ما يسأل الملوك ويخاطبون : افعلوا كذا ، على الجماعة ، وإن كان إنما يخاطب واحدا ؛ على ما خرج جواب الله وقوله : إنا فعلنا كذا ، ونفعل كذا.
والثاني : أن يكون قوله : (رَبِّ ارْجِعُونِ) : يسأل ربه أن يأمر الملائكة الذين يتولون قبض أرواحهم أن يرجعوه إلى ما ذكر ، والله أعلم.
وقوله : (لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ).
قال بعضهم : (فِيما تَرَكْتُ) ، أي : فيما كذبت.
وقال بعضهم : (فِيما تَرَكْتُ) : في الدنيا من الأعمال الصّالحة فأعمل بها.
وجائز أن يكون قوله : (فِيما تَرَكْتُ) : من الأموال فأؤدي منه حقك ؛ لأن من الكفرة ما كان سبب كفرهم منع الزكاة وجحودها ؛ كقوله : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) [فصلت : ٦ ، ٧] فيسأل ربه أن يرجع إلى المال الذي تركه ؛ ليؤدّي الحق الذي كان فيه فمنعه ، كقوله : (فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) [المنافقون : ١٠] ، وقوله : (فَأَصَّدَّقَ) ، أي : فأتصدق بالصدقة التي منعتها ؛ لأن الخطاب في الصدقة بقوله : (أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ ...) الآية [البقرة : ٢٥٤] ، وهذا أشبه ، والله أعلم.
وقوله : (كَلَّا) ، هو ردّ لما سألوا من الرجعة.
__________________
(١) قاله ابن زيد ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٥٦٥١) ، وانظر : الدر المنثور (٥ / ٢٨).