يسألون عن شيء ولا يسألون عن آخر ، وروي [في] الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «كلّ نسب كان فهو منقطع إلا نسبي» (١) أو كلام نحو هذا ، ثم يحتمل قوله : «إلا نسبي» وجهين :
أحدهما : الشفاعة له في أنسابه ، لا يكون ذلك لغيره في نسبه ؛ فإذا أراد هذا فهو على حقيقة نسبه.
والثاني : أراد بقوله : «إلا نسبي» : المعين له في دينه ؛ لأن كل من اتبعه فقد انتسب إليه ؛ فكأنه قال : إن كل [ذى] شفاعة دوني فهو منقطع إلا شفاعتي ، فيمن اتبعني وانتسب إلي بقبوله ديني.
وقوله : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
جائز أن يكون قوله : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) ، أي : من عظم قدره ومنزلته عند الله بالأعمال التي عملوها من الصالحات والحسنات فهو من المفلحين ، ومن خفت منزلته وقدره عند الله بالأعمال الخبيثة السيئة فهو من الذين خسروا أنفسهم ، والله أعلم.
وقد ذكرنا أقاويل أهل التأويل في الموازين فيما تقدم.
وقوله : (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ).
قال بعضهم (٢) : لفحتهم النار لفحة ؛ فلم تدع لحما على عظم إلا ألقته.
(وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) ، قال بعضهم (٣) : عابسون.
وقال بعضهم : تلفح ، أي : تنفح.
وقال بعضهم : تلفح : تشوي وتحرق ، وذلك عادة النار أنها تعمل كل هذا العمل.
وقال أبو عوسجة : تلفح ، أي تضرب ، واللفح : الضرب ، يقال : لفحته النار ، أي : ضربته ؛ فأحرقت وجهه ، تلفح لفحا فهي لافحة.
__________________
(١) أخرجه أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي في سننه عن المسور بن مخرمة ، وأخرجه ابن عساكر عن ابن عمر ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٠).
(٢) في هذا المعنى ورد حديث مرفوع :
أخرجه ابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣١) ، ولفظه : «إن جهنم لما سيق إليها أهلها تلقتهم بعنق ، فلفحتهم لفحة فلم تدع لحما على عظم إلا ألقته على العرقوب».
وأخرجه ابن مردويه والضياء في صفة النار عن أبي الدرداء مرفوعا بنحوه وأخرجه أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود موقوفا كما في المصدر السابق.
(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٥٦٧٤) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣١). وينظر : اللباب (١٤ / ٢٦١).