اعتقادهم العموم فاسد بظاهر المخرج.
أو أن يقول قائل : روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «العينان تزنيان ، واليدان تزنيان ، والرجلان تزنيان ، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه» (١) : سمى الناظر إلى ما لا يحل نظره إليه زانيا ، والماس لها : كذلك ؛ فيلزمه الحدّ بظاهر قوله : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) ؛ فإذا لم يفهم من ظاهر قوله : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) ما ذكرنا كله ؛ دل أن الاعتقاد على عموم المخرج فاسد ، وأن المراد بقوله : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) ـ راجع إلى الخصوص : إلى مقيم دون مقيم ، وإلى زان دون زان ، وهو الزاني الذي يجمع في فعل الزنا جميع بدنه : العين ، واليد ، والرجل ، والفرج ، وجميع بدنه.
ورجع الخطاب به إلى البكرين الحرين والثيبين الحرين الذين لم يستجمعا جميعا أحكام الإحصان.
فأما من استجمع جميع أسباب الإحصان فإن حدّه الرجم على اتفاق القول منهم جميعا ، إلا أن طائفة من أهل العلم أوجبوا عليه مع الرجم الجلد ، وفي البكر مع الجلد تغريب عام.
والدليل على أن المراد راجع إلى الحرين البكرين أو الثيبين اللذين لم يستجمعا أسباب الإحصان ما ذكرنا من القول المتفق.
وقوله : (فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) ، دل إيجاب نصف ما على المحصنات على الإماء على أنه أراد بالمحصنات : الحرائر اللاتي لم يستجمعن جميع أسباب الإحصان ، وأن الخطاب بقوله : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) إلى آخر ما ذكر راجع إلى الحرين اللذين ذكرناهما.
ثم لم يضرب في الزنا الذي به زنا ، وهو الفرج ، وقطع في السرقة الذي به سرق : وهو اليد ؛ فهو ـ والله أعلم ـ لما جعل الحدود زواجر عن المعاودة ـ لم تجعل دافعة مذهبة إمكان ذلك الفعل من الأصل ، وفي ضرب الفرج ذهاب إمكان الفعل من الأصل ، ولا كذلك في قطع اليد في السرقة ؛ إذ تبقى أخرى : بها يأخذ ، وبها يقبض ؛ لذلك افترقا.
أو أن يقال : في ضرب الفرج خوف هلاكه في الأغلب ، وليس ذلك في قطع اليد ؛ بل يبقى حيّا في الغالب ، وقد ذكرنا أن الحدود لم تجعل مهلكة متلفة ؛ ولكن جعلت زواجر
__________________
(١) أخرجه البخاري (١١ / ٢٨) كتاب الاستئذان : باب زنا الجوارح (٦٢٤٣) ، وفي (١١ / ٥١١) ، كتاب القدر : باب «حرام على قرية أهلكناها ...» (٦٦١٢) ، ومسلم (٤ / ٢٠٤٧) ، كتاب القدر : باب قدر على ابن آدم حظه من الزنا (٢١ / ٢٦٥٧) ، عن أبي هريرة.