وروي عن ابن عمر عن عمر مثله. إلى كل هذه الأخبار ذهب أصحابنا رحمهمالله ، ويقولون : لا يجتمع على رجل في فعل واحد حدّان : الجلد والرجم جميعا ؛ كما لا يجتمع في غيره من الإجرام في فعل واحد حدّان أو عقوبتان.
وقوله ـ عليهالسلام ـ : «الثيب بالثيب : يجلد ويرجم» (١) يحتمل الجلد جلد البكر المحصن ، ويرجم ثيبا آخر محصنا ، أو يجلد ثيبا في حال ويرجم ثيبا في حال ، وقد ذكرنا هذه المسألة في سورة النساء.
[وقوله :](الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ).
في ظاهر الآية ألا يحل للزاني أن ينكح إلا الزانية من المؤمنات أو مشركة ، وكذلك الزانية من المؤمنات لا ينكحها العفيف من المؤمنين ؛ وإنما ينكحها الزاني منهم والمشرك.
وفي ظاهر الآية النهي للزاني عن نكاح العفائف ، وإباحة نكاح الزانيات والمشركات (٢) ؛ فإن كان ذلك ، فكان قوله : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) [البقرة : ٢٢١] إلا الزناة منكم ؛ فإنه يحل لهم أن ينكحوا المشركات ، وكذلك قوله : (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ) [البقرة : ٢٢١] إلا الزانيات ؛ فإنه يحل هذا ظاهرا ، لكنهم أجمعوا على ألا يحل للمؤمن ـ وإن كان زانيا ـ أن ينكح المشركة ، وكذلك لا يحل للمشركة أن تتزوج بالزاني من أهل الإيمان.
ثم اختلف أهل التأويل في تأويله :
قال مقاتل ، ومحمد بن إسحاق ، وهؤلاء : الزاني من أهل الكتاب لا ينكح ـ أي : لا يتزوج ـ إلا زانية من أهل الكتاب ، أو مشركة [من] غير أهل الكتاب ، والزانية من أهل الكتاب : لا ينكحها إلا زان من أهل الكتاب أو مشرك من غير أهل الكتاب يزنين علانية.
وعن ابن عباس (٣) ـ رضي الله عنهما ـ قال : نزلت الآية في نفر من أهل مكة هاجروا إلى المدينة وكانوا ذوي عسرة ، وكان بالمدينة بغايا يبغين بأنفسهن ظاهرات بالفجور ، وكن مخصبات أو مخاصيب البيوت ، فهمّ أولئك المهاجرون أن يتزوجوا بأولئك البغايا ؛ ليصيبوا من خصبهن وسعتهن ، فذكروا ذلك لرسول الله واستأذنوه في ذلك ؛ فنزلت الآية في شأنهم : (الزَّانِي) من أهل القبلة المعلن به (لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً) من اليهود (أَوْ مُشْرِكَةً)
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : اللباب (١٤ / ٢٨٦ ، ٢٨٧).
(٣) قاله مقاتل بنحوه ، أخرجه ابن أبي حاتم ، وعن سعيد بن جبير ، أخرجه عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم ، والبيهقي ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٨ ، ٤٠).