الآية.
(وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).
لكن هذا يصلح أن لو كان أولئك المهاجرون مثلهن زناة ، فأما إن كانوا مهاجرين أهل إيمان وعفة ـ فلا يصلح أن يقال فيهم : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) ، وهم لم يكونوا زناة ؛ إلا أن يقال على الابتداء : إنه لا يفعل ذلك.
وقال بعضهم (١) : قوله : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ) ، أي : لا يجامع ، ولا يزني إلا بزانية مثله ، وكذلك الزانية لا تزني إلا بزان مثلها أو مشرك لا يحرم الزنا ، وهو قول الضحاك وهؤلاء.
وقال سعيد بن المسيب (٢) : نسخت هذه الآية : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) ، قوله : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ...) الآية.
وسئل ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن رجل يزني بامرأة ثم يتزوجها؟ قال : هما زانيان ما اصطحبا (٣).
وجائز أن يكون النهي عن نكاح الزانية والزاني ـ نهيا عن الزنا نفسه لا عن النكاح ؛ كأنه قال : لا تزنوا ؛ فإنكم إذا زنيتم وصرتم معروفين به لا تجدون أن تنكحوا إلا زانية أو مشركة التي لا تحرم الزنا ؛ لأن العفائف منهن لا يرغبن في نكاح من صار معلن الزنا ، فإذا لم يرغبن لم يجدوا إلا من ذكر ، وهو ما قال : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) ، ليس النهي عن قربان الصلاة ؛ ولكن النهي عن السكر وشرب المسكر.
وكذلك ما روي أنه قال : «لا صلاة للمرأة الناشزة ولا للعبد الآبق» (٤) : إنما نهى عن نشوزها وعن إباقه ؛ ليس عن الصلاة ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون قوله : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) : إنما نهى عن الزنا ، أي : لا تزنوا ؛ ليرغب العفائف من المؤمنات فيكم ، ولا يزني النساء ؛ ليرغب أهل العفاف من المؤمنين ؛ فإنكم إذا زنيتم وصرتم معروفين به معلنين لا تجدوا إلا نكاح من ذكر من الزانية أو
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٥٧٦٤) ، وعن سعيد بن جبير (٢٥٧٦٥) ، وعكرمة (٢٥٧٦٦) ومجاهد (٢٥٧٦٧) ، وانظر : الدر المنثور (٥ / ٣٩).
(٢) أخرجه ابن جرير (٢٥٧٧٢ ـ ٢٥٧٧٦) ، وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود وأبو عبيد معا في التاريخ وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤١).
(٣) من طريق الحاكم أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٧ / ١٥٦) ، (١ / ٣٨٥) أبواب الصلاة : باب ما جاء من أمّ قوما وهم له كارهون (٣٥٨).
(٤) أخرجه الترمذي والطبراني (٨ / ٨٠٩٠ ، ٨٠٩٨) ، والبغوي في شرح السنة (٢ / ٤٠٢) ، عن أبي أمامة بلفظ : «ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم : العبد الآبق حتى يرجع ، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ، وإمام قوم وهم له كارهون».