محصنة بقوله : (أُحْصِنَ) ، أي : تزوجن ، وقوله : (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) ، أي : الحرائر ؛ فقد بان بهذه الآية أن الإحصان قد يكون بالحرية ، ويكون بالزوج ، وإن كانت الزوجة أمة إذا كان لها زوج ، وسمّى الطيعة من النساء محصنة ، قال ـ تعالى ـ : (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ) ، يعني : العفائف ، فالإحصان على ثلاثة أوجه ؛ وإنما يجب الحدّ على قاذف الحر المسلم والحرة المسلمة ؛ فإن كان حرّا أو حرة فعليهما الحدّ ثمانين ، وإن كان عبدا أو أمة فعليه الحد أربعين سوطا على ما ذكرنا.
وقوله : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً).
فظاهر هذا أنه لا يقع عند حضرة القذف ، ولكن له أن يأتي إلى وقت إياسه وهو الموت ، كمن يحلف بيمين ولم يوقت لها وقتا ، فإنما وقعت إلى وقت إياسه فحنث عند ذلك ؛ فعلى ذلك يجيء على ظاهره أن يقع على الأبد ليس عند حضرة القذف ، لكن لو وقع على الأبد لكان فيه سقوطه ؛ إذ لا يقام الحد بعد الموت.
أو إن أراد بذكر الشهود الأربع زجره عن قذف المحصنات ؛ لما لا يجد الشهود على الحلال ؛ فالذي هو أخفى وأسر أبعد.
والثاني : أن الحدّ قد لزمه بالقذف ، فإن أراد إسقاطه لم يسقط إلا ببينة تقوم حضرة ذلك ، كمن يقر بقصاص أو حق من الحقوق ، ثم ادعى العفو في ذلك أو إسقاط ما أقر له والخروج منه ، لم يصدق إلا ببينة تقوم على حضرة ذلك ، فعلى ذلك قوله : (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) : وقع ذلك على حضرة القذف ، فإن أتى به وإلا حدّ ، والله أعلم.
ثم المسألة بأنه إذا أتى بأربعة فساق درأ عن نفسه الحدّ عندنا ، والقياس ألا يطالب بشهود عدول ؛ لأن العدول لا يشهدون ذلك المشهد ، ولا ينظرون إليه ؛ إنما يشهده الفساق [فالفساق] أحق أن يدرأ بهم الحد عنه من العدول ، وليس كالشهادة على إقامة حدّ الزنا ؛ لأن قصدهم بالنظر إلى ذلك المكان ـ قصد إقامة الشهادة وإيجاب الحدّ على فاعل ذلك ؛ لذلك لم يصيروا فسقة ، ولأنهم لا يشهدون بذلك إلا عن توبة تكون منهم إذ يملكون التوبة ، ولأن الفساق من أهل الشهادة ليس كالكفار والعبيد ، وهؤلاء وإن كانت لا تقبل شهادة الفساق فهم من أهل الشهادة ؛ ألا ترى أن من قذف فاسقا أو كانت امرأة فقذفها زوجها ـ وهو فاسق ـ أنا نحدّ قاذف الفاسق ، ونلاعن بين الزوج وبين امرأته ، وإن قذف مسلم كافرا أو قذف حرّ عبدا ، لم يحد ، وإن قذف أحدهما زوجته لم يلاعن بينهما ، فمن خالفنا في هذا اللعان فليس يخالفنا في أن الحرّ إذا قذف العبد ، والمسلم إذا قذف الكافر فلا حدّ على واحد منهما ؛ فهذا كله يدل أن الفساق من أهل الشهادة والكافر والعبد