وعلى ذلك أخبار : روي عن خالد بن معدان قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم [الآخر] أن تبيت في مكان تسمع فيه نفس رجل ليس بمحرم ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت في مكان يسمع فيه نفس امرأة ليست له بمحرم».
وفي بعض الأخبار : أنه لم يرخص للمرأة أن يرى غير ذي محرم منها إلا الوجه والكف وما ظهر ، وقبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم على كوع عائشة وقال : «هذا».
وعن الحسن أنه قال في قوله : (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) : الوجه وما ظهر من الثياب (١).
فإن ثبت ما ذكرنا من المروي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حيث رخص النظر إلى الوجه والكف ؛ لقوله : «إلا الوجه والكف» فاستثنى الوجه والكف من بين سائر الجوارح ـ كان ذلك تفسيرا لقوله : (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) كأنه قال : «ولا يبدين زينتهن للأجنبيين إلا ما ظهر منها وهو الكحل والخاتم» ، ثم الكحل يكون في الوجه والخاتم في اليد فذكر الزينة يكون كناية عن موضعها ؛ لأن النظر إلى الزينة حلال لكل أحد إذا كان المراد بالزينة الحلي وما ذكره القوم ، فدل أن المراد بذكر الزينة موضع الزينة لا نفس الزينة والحلي ، ثم رخص للأجنبيين النظر إلى بعض مواضع الزينة وهو ما ظهر منها من الوجه والكف ولم يرخص ما خفي منها وما بطن.
ثم استثنى المحارم منها ، ورخص لهم النظر إلى ذلك بقوله : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَ) إلى آخر ما ذكر.
ثم مواضع الزينة الخفية منها الصدر ، ومنها الأذنان وهما في الرأس ، ومنها الساق.
ثم جمع بين الأب ومن سمى معه وبين الزوج في النظر إلى زينة المرأة ، ولا خلاف في أن الأب لا يجوز له أن ينظر من عورة ابنته إلا إلى رأسها وفي الرأس الأذنان ، وقد يكون فيهما القرط ونحوه ، وإذا جاز له أن ينظر إلى رأسها ولا خمار عليها ؛ فله أن ينظر إلى صدرها وهو موضع الزينة ؛ لأنه مما يغطيه الخمار ، وينظر إلى ذراعيها وموضع الخلخال من قدميها ورجليها ، وهي مواضع الزينة الباطنة التي لا يجوز للأجنبي النظر إليها.
ثم النظر إلى الوجه أحق أن يحرم النظر إليه للأجنبي من الرأس وغيره من مواضع الزينة ؛ لأن الوجه يجمع فيه جميع المحاسن وغيره من مواضع الزينة ليس فيها محاسن لكن إنما حرم النظر إلى هذه المواضع ؛ لأنها عورة في نفسها ؛ فالنظر إلى العورة حرام للأجنبي ؛ ولأن النظر إليها ـ أعني : مواضع الزينة ـ لا يكون إلا للشهوة والنظر إليها للشهوة حرام.
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٥٩٧٦).