يكن للناظر في ذلك شهوة بأن كان شيخا كبيرا ، أو كانت المرأة دميمة ، أو عجوزا فإنه لا يحظر النظر إلى وجوه أمثالهن ، ولا ينظر إلى ما سوى ذلك ، وأصله قول الله ـ تعالى ـ : (قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) [الأحزاب : ٥٩].
ومما يدل على أن الوجه والكفين جائز ألا يكون بعورة أن المرأة لا تصلي وعورتها مكشوفة ، ويجوز أن تصلي ووجهها ويداها ورجلاها مكشوفة.
فإذا كان كذلك دل ذلك على أن النظر إلى ذلك جائز إذا لم يكن ذلك لشهوة ؛ دخل في ذلك معنى قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «العينان تزنيان» (١) ؛ لأن زناء العين لا يكون إلا النظر للشهوة ، فإذا كان لشهوة دخل في ذلك معنى قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وروي في الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما يدل على أن الوجه والكفين ليسا بعورة ، [وهو] ما روي عن عائشة قالت : دخلت عليّ أختي أسماء وعليها ثياب شامية رقاق ، وهي اليوم عندكم صفاق ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هذه ثياب لا تحبها سورة النور فأمر بها فأخرجت» ، فقلت : يا رسول الله ، زارتني أختي فقلت لها ما قلت ، فقال : «يا عائش ، إن الحرة إذا حاضت لا ينبغي أن يرى إلا وجهها وكفاها» (٢) ، فإن ثبت هذا عنه فهو يبين ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَ) قد ذكرنا أن المرأة يكره لها النظر إلى الرجال من غير محرمها كما يكره للرجل [النظر] إلى المرأة الأجنبية ؛ ألا ترى أنه روي أن أعميين دخلا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبعض أزواجه عنده ـ عائشة وأخرى ـ فقال لهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قوما» ، فقالتا : إنهما أعميان يا رسول الله!! فقال لهما : «هما وإن كانا أعميين فأنتما لستما بأعميين» (٣) ، أو كلام نحو هذا ، فدل أنه ما ذكرنا.
__________________
(١) تقدم.
(٢) قلت : أدرج المصنف حديثين فجعلهما حديثا واحدا :
فالأول : أخرجه أبو داود (٢ / ٤٦٠) ، كتاب اللباس : باب فيما تبدي المرأة من زينتها (٤١٠٤) ، والبيهقي (٧ / ٨٦) ، عن عائشة أم المؤمنين أن أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنها ـ دخلت عليها وعندها النبي صلىاللهعليهوسلم في ثياب شامية رقاق فضرب رسول الله إلى الأرض ببصره قال : ما هذا يا أسماء؟! إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا ، وهذا ، وأشار إلى كفه ووجهه.
والثاني : أخرجه سعيد بن منصور وابن مردويه كما في الدر المنثور (٥ / ٧٦) ، عن عائشة : أن امرأة دخلت عليها وعليها خمار رقيق يشف جنبيها فأخذته عائشة فشقته ، ثم قالت : ألا تعلمين ما أنزل الله في سورة النور؟ فدعت لها بخمار فكستها إياه.
(٣) أخرجه أحمد (٦ / ٢٩٦) ، وأبو داود (٢ / ٤٦٢) ، كتاب اللباس : باب في قوله تعالى : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ) (٤١١٢) ، والترمذي (٤ / ٤٨٢) ، كتاب الأدب : باب ما جاء في احتجاب النساء من الرجال (٢٧٧٨) ، والنسائي في الكبرى ، كما في تحفة الأشراف (١٣ / ١٨٢٢٢) ، وأبو يعلى (٦٩٢٢) ، وابن حبان (٥٥٧٥) ، والطبراني في الكبير (٢٣ / ٦٧٨) ، (٩٥٦) والبيهقي (٧ / ٩١).