وإن كان ما قال ابن عباس ففيه دلالة حل النظر إلى وجه المرأة لا بشهوة.
وإن كان ما قالت عائشة من القلب والفتحة ففيه دلالة جواز النظر إلى الكفين والقدمين ؛ لأنهما ظاهرتان باديتان ؛ ألا ترى أنهما من الظواهر في فرض غسل الوضوء ، وإن كان ذلك ففيه دلالة جواز صلاتها مع ظهور القدم.
وجائز أن يكون النظر إلى وجه المرأة حلالا إذا لم يكن بشهوة ، لكن غض البصر وترك النظر أرفق وأزكى ، كقوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ) [الأحزاب : ٥٩] أنهن حرائر (فَلا يُؤْذَيْنَ) كما تؤذى الإماء.
والذي يدل أن للمرأة ألا تغطي وجهها ، ولا ينبغي للرجل أن يتعمد النظر إلى وجه المرأة إلا عند الحاجة إليه ـ قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعلي ـ رضي الله عنه ـ : «إنما لك الأولى وليست لك الآخرة» ، وفي بعضها : «الأولى لك والآخرة عليك» (١) ؛ لأنه كأنه إنما كرر النظر في الثانية ؛ لشهوة تحدث في قلبه.
وإذنه للذي يريد أن يتزوج امرأة أن ينظر إليها يدل على أن نظر الرجل إلى وجه المرأة غير حرام ؛ لأنه لو كان حراما لم يأذن فيه النبي لأحد.
ونرى ـ والله أعلم ـ أن النظر إلى وجه المرأة ليس بحرام إذا لم يقع في قلب الرجل من ذلك شهوة ، فإذا وجد لذلك شهوة ، ولم يأمن أن يؤدي به ذلك إلى ما يكره فمحظور عليه أن ينظر إليها إلا أن يريد به معرفتها والنكاح فإنه قد رخص في ذلك ؛ روي أن المغيرة أراد أن يتزوج امرأة فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اذهب فانظر إليها ، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» (٢).
وقال في بعض الأخبار : «إذا خطب أحدكم المرأة فلا بأس أن ينظر إليها ؛ إذا كان إنما ينظر إليها للخطبة (٣) ، وإن كانت لا تعلم».
وأحسن للشابة وأفضل لها أن تستر وجهها ويديها عن الرجال ليس لأن ذلك حرام وإليها معصية ، ولكن لما يخاف في ذلك من حدوث الشهوة ، ووقوع الفتنة بها ، فإذا لم
__________________
(١) تقدم.
(٢) أخرجه الترمذي (٣ / ٣٩٧) ، كتاب النكاح : باب ما جاء في النظر إلى المخطوبة (١٠٨٧) ، والنسائي (٦ / ٦٩ ، ٧٠) كتاب النكاح : باب إباحة النظر قبل التزويج وابن ماجه (١ / ٥٩٩) ، كتاب النكاح : باب النظر إلى المرأة (١٨٦٥) ، وأحمد (٤ / ٢٤٦) ، والدارمي (٢ / ١٣٤) ، والحاكم (٢ / ١٦٥) ، وابن الجارود (٦٧٥) ، والدارقطني (٢ / ٢٥٢) ، والبيهقي (٧ / ٨٤).
(٣) أخرجه أبو داود (٢ / ٥٦٥) ، كتاب النكاح : باب في الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها (٢٠٨٢) ، وأحمد (٣ / ٣٣٤) ، والحاكم (٢ / ١٦٥) ، والبيهقي (٧ / ٨٥).