لا استيجابا واستحقاقا ، وذلك رد عليهم في الأصلح في الدين.
ثم من الناس من استدل بهذه الآية بقوله : (يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) : حتى يغنيهم الله من فضله على تفضيل الغناء على الفقر قالوا : لأنه سماه فضلا بقوله : (مِنْ فَضْلِهِ) وسماه في غير آي من القرآن : رحمة وحسنة ، وسماه : خيرا أيضا في غير موضع ، وسمى الفقر والضيق : بلاء مرة ، و : سيئة ثانيا ، و : ضرّا و : شدة بقوله : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) [الأعراف : ١٦٨] ، وقال : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء : ٣٥] وقوله : (هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ) [الزمر : ٣٨] وغير ذلك من الآيات ، وكأن ما سمى من البلاء والشدة والشر والضر والسيئة كله عبارة وكناية عن الضيق والفقر ، وما ذكر من الخير والحسنة والرحمة ونحوه ، كله عبارة عن السعة والغناء ؛ فدل تسمية الغناء خيرا وحسنة ورحمة على أنه أفضل ؛ إذ لا شك أن الخير والحسنة والرحمة خير من الشر والسيئة والبلاء ؛ لذلك كان الغناء أفضل من الفقر.
فيقال لهم : هو كما قلتم : إنها خير مما ذكرتم ، إلا أن هذه الأسباب التي ذكرتم هي الداعية إلى الفساد ، الباعثة على قضاء الحاجات ، والشهوات ، وأنواع المعاصي في أنواع المحرمات ، ولا كذلك الفقر والضيق والشدة ، بل هي أسباب تمنع صاحبها عن التعاطي في أنواع المعاصي والمحرمات ؛ فضلا أن تدعوه وتبعثه إلى ذلك ، فقولنا : إنه أفضل ؛ للمعنى الذي ذكرنا ، لا لمعنى فهمتموه أنتم.
أو أن يكون ما ذكر وسمي : خيرا : السعة عند الناس ، وكذلك ما ذكر من الضيق شرّا وسيئة عندهم ؛ لأنه كذلك عند الناس لا أنهما في الحقيقة كذلك ؛ لما يحتمل أن يكون الغناء والسعة سبب الفساد ، والضيق والفقر سبب منعه عن الفساد.
أو ألا يتكلم في تفضيل أحدهما على الآخر ؛ إذ هما محنتان يمتحن بهما العباد : هؤلاء بالصبر على الفقر والضيق ، وهؤلاء بشكرهم على الغناء والسعة ، فالتكلم في فضل أحدهما على الآخر فضل ، والله أعلم.
وقوله : (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ) : ظاهر هذا ليس على الكناية ، ولكن على الكتاب المعروف وهو كتاب الله ـ تعالى ـ لأن الكتاب المطلق هو كتاب الله تعالى ، يسألون ساداتهم تعليم الكتاب لهم ، إلا أن الناس لم يفهموا من هذا هذا ، ولكن فهموا كتابة العبيد والإماء حيث صرفوا الآية إليها.
ثم قوله : (فَكاتِبُوهُمْ) ليس على الوجوب والإلزام ، ولكن على الترغيب فيها والحث ؛ دليله ترك الأمة المماليك بعد موتهم دون مكاتبتهم من لدن رسول الله إلى يومنا هذا ، ولو