كان على الوجوب واللزوم لم يكونوا يتركون لازما واجبا عليهم ؛ فدل تركهم المكاتبة على أنه خرج مخرج الترغيب عليها ، والحث لا على الوجوب (١) ، والله أعلم.
وقوله : (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) اختلف فيه :
قال بعضهم : أي : كاتبوهم إن علمتم أنهم يرغبون في أنواع الخير ، وإقامة الصلاة ، وأنواع الصلاح ، وفرغوا أنفسهم لذلك.
قال بعضهم : إن علمتم فيهم خيرا ، أي : وفاء وأمانة وصلاحا ، وهو قول الحسن (٢).
وتأويل هذا : أي : كاتبوهم ؛ إن علمتم أنهم يقدرون على وفاء ما كوتبوا ، وأداء ذلك.
وقال قائلون : (خَيْراً) أي : حيلة (٣).
وقال قائلون : مالا (٤).
وقال قائلون : (خَيْراً) ، أي : حرفة ، ورووا في ذلك خبرا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم مفسرا عن يحيى بن كثير قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن علمتم فيهم خيرا ـ أي : حرفة ـ ولا ترسلوهم كلا على الناس» (٥). إن ثبت هذا لا نحتاج إلى غيره من التفسير ، ولو كان قال : إن علمتم لهم خيرا ، جاز أن يقال : معنى (خَيْراً) مالا ، ولكنه قال : (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) [الجاه الذي](٦) والمال لا يكون فيهم ، وإنما يكون لهم ؛ فأشبه ذلك ـ والله أعلم ـ أن يكون الخير حرفة في الخير أو وفاءه ، وأمانته ، ثم في الآية دلالة أن العبيد لا يملكون شيئا ؛ لأنهم لو كانوا يملكون لكان يرغبهم ويحثهم على العتاق دون الكتابة ، فدل ترغيبه إياهم عليها أنهم لا يملكون حتى تجعل الكتابة الكسب لهم والخدمة دون المولى.
وفي الكتابة أيضا نظر للموالي ؛ لأنهم إن قدروا على وفاء ما قبلوا أداءه ، وإلا كان للموالي ردهم إلى منافع أنفسهم ، ولو كان عتقا لم يملكوا ردهم إلى منافع أنفسهم ،
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٤ / ٣٧٢).
(٢) أخرجه ابن جرير (٢٦٠٢٨) ، وعبد الرزاق وعبد بن حميد ، كما في الدر المنثور (٥ / ٨٢).
(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٦٠٢٥) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي ، كما في الدر المنثور (٥ / ٨٢).
(٤) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٢٦٠٣٦ ، ٢٦٠٣٧) ، وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي كما في الدر المنثور (٥ / ٨٢).
وعن مجاهد أخرجه ابن جرير (٢٦٠٣٨ ، ٢٦٠٤٢ ، ٢٦٠٤٤) ، وعبد الرزاق وعبد بن حميد ، كما في الدر المنثور (٥ / ٨٢).
وعن عطاء أخرجه ابن جرير (٢٦٠٤٣ ، ٢٦٠٤٥) ، وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي ، كما في الدر المنثور (٥ / ٨٢).
(٥) أخرجه أبو داود في المراسيل والبيهقي في سننه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٨٢).
(٦) غير واضحة في أ.