ويبطل حقهم بلا شيء يصل إليهم ، والله أعلم.
وفي قوله : (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) دلالة القول بعلم العمل على ظاهر الأسباب دون تحقيق العلم به ، حيث قال : (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) وإنما يوصل ما ذكر من الخير بأسباب تكون لهم على نحو ما ذكروا فيه من الحرفة والوفاء وأداء الأمانة وأمثاله ، وذلك أسباب توصل إلى الخير على أكبر الظن والعلم لا على الحقيقة.
وفيه دلالة العمل بالاجتهاد على ما يرى بهم من ظاهر الأسباب ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ) اختلف في خطابه :
قال الحسن وغيره : هو شيء حث الناس عليه مولاه وغيره ، فيخرج ذلك على وجهين :
أحدهما : ما جعل الله من الحق للمكاتبين في الصدقات ؛ لقوله : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) [التوبة : ٦٠] إلى قوله : (وَفِي الرِّقابِ) وهم المكاتبون ، أمر أرباب الأموال بدفع الصدقات للمكاتبين ، وجعلهم أهلا لها ، ليستعينوا بها على أداء ما عليهم من الكتابة.
فإن كان ذلك فذلك حق لهم.
والثاني : جائز أن يأمر الناس بمعونة هؤلاء المكاتبين على أداء ما عليهم من الكتابة بأموالهم سوى الصدقات ؛ ليفكوا رقابهم عن ذل الرق والكسب.
وقال قائلون : إنما الخطاب للموالي خاصة ؛ لما أن أوّل الخطاب بالكتابة راجع إلى الموالى ؛ فعلى ذلك هذا.
ثمّ اختلفوا فيه : روي عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال : «يترك المولي الثلث من مكاتبته له».
وروي عنه أنه قال : «ربع المكاتبة» (١).
وروي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه كاتب غلاما له ، فحطّ عنه أول نجمه ، وقال له : حط عني آخره ، فقال عمر : «لعلي لا أصل إليه» ، أو كلام نحو هذا ، ثم تلا هذه الآية (٢) ، قوله : (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ ...) الآية.
وروي عن غلام لعثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ قال : «كاتبني عثمان ، ولم يحطّ
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٦٠٤٦ ، ٢٦٠٥١) ، وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي ، كما في الدر المنثور (٥ / ٨٣).
(٢) أخرجه عبد الرزاق وابن أبي حاتم والبيهقي ، كما في الدر المنثور (٥ / ٨٣).