عني شيئا» (١) ، دل ما روي عن عثمان أنه لم يحط عنه شيئا على أن الأمر بالإيتاء للمكاتبين من الأموال والحطّ عنهم إنما هو على الاختيار والإفضال ليس على الوجوب واللزوم ؛ لأنه لو كان على الوجوب ، لكان عثمان بن عفان لا يحتمل ألا يحط عنه شيئا.
ومن جعل ذلك واجبا على المولى أن يؤتيه من ماله ، ويعجله له كان ذلك خارجا عما روي عن الصحابة ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ـ خلافا لهم ؛ لأنه روي عن بعضهم الحط عنهم ، والوضع دون الإيتاء من ماله.
وروي عن بعضهم : الاستيفاء على الكمال لا حطّ فيه ولا إيتاء ؛ دل أن قول من يأمرهم بالإيتاء من أموالهم دون الكتابة خارج عن قولهم جملة.
ثم يبطل ذلك من وجهين :
أحدهما : أن من قال لعبده : «إذا أديت إليّ كذا فأنت حر» ، فحط عنه بعض ذلك ، فأدّى البقية ـ لم يعتق حتى يؤدي الكل ؛ فدل أن قوله : (وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ) ليس على الوجوب ، ولكن على الاختيار.
والثاني : أنه لا يسمى بعد الأداء : مكاتبا ، وإنما هو حرّ ، وإنما ذكر الإيتاء إياهم وهم مكاتبون حيث قال : (فَكاتِبُوهُمْ) ، ثم قال : (وَآتُوهُمْ) ، فلو كان على ما يقوله قوم ، لكان ذلك باطلا ؛ للوجهين اللذين ذكرناهما ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً).
ليس قوله : (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) بشرط فيه ؛ لأنهن لا يكرهن على البغاء وإن لم يردن التحصن ، دل أن ذلك ليس بشرط فيه ، ولا يمكن الإكراه فيه إذا كن أطعن فيه ، لكنه خرج ذلك على ما ذكر في القصة : كانوا يكرهونهن على الزنا ابتغاء المال ، وهنّ كنّ يردن التحصن ، فخرج الخطاب والنهي على فعلهم ، دون أن يكون ذلك شرطا فيه.
أو أن يكون ذلك إكراها إذا كن مطاوعات في ذلك.
وفيه دلالة بطلان المتعة وفسادها ؛ لأنهم كانوا يكرهون إماءهم على أن يؤاجروا أنفسهن للزنا ابتغاء الأجر ، وليست المتعة إلا كذلك.
وقال أهل التأويل : إن الآية نزلت في نفر من المنافقين عبد الله بن أبي وفلان وفلان كانوا يكرهون فتياتهم على الزنا ابتغاء عرض الدنيا (٢) ، فإن كان ما ذكروا ، ففيه دلالة أن
__________________
(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (١٠ / ٣٢٠ ، ٣٢١).
(٢) قاله جابر بن عبد الله أخرجه مسلم.
وابن جرير (٢٦٠٧٣) ، وابن أبي شيبة وسعيد بن منصور والبزار والدارقطني وابن المنذر وابن ـ