والثاني : أمر بها خصوصا للمساجد ؛ إذ غيرها من البيوت المسكونة إنما اتخذت وبنيت بالإذن والإباحة ، فخص المساجد بالإذن ببنائها خصوصا لها ؛ إذ لو كان إذنا على ظاهر ما ذكر ، لكان المساجد وغيرها من البيوت سواء ، والله أعلم.
وقوله : (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) فإن كان تأويل قوله : (أَنْ تُرْفَعَ) أي : تعظم ويرفع قدرها ؛ فيكون قوله : (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ) تفسيرا لذلك التعظيم والقدر الذي أمر ، أي : أمر أن تعظم ، ويرفع قدرها بذكر اسم الله فيها ، وما ذكر من التسبيح.
وإن كان التأويل هو الأمر بالبناء يكون قوله : (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها) كذا على الابتداء ، أي : أمر أن نبني سويا مساجد ، وأمر أن يذكر فيها اسمه ، ويسبح له فيها بالغدو والآصال.
ثم اختلف في تلاوة قوله : (يُسَبِّحُ لَهُ) :
قرأ بعضهم (يُسَبِّحُ) بنصب الباء.
وقرأ بعضهم (يُسَبِّحُ) بخفض الباء.
فمن قرأها بالنصب صيره على الأول (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) ، ثم ابتدأ فقال : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ).
ومن قرأها بالخفض ـ أعني : خفض الباء ـ صيره مقطوعا من الأول مبتدأ به ، أي : يسبح له فيها رجال بالغدو والآصال ، ثم ابتدأ من قوله : (لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ) ثم قوله : (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) جائز أن يراد بذكر اسمه : الصلاة ، وكذلك التسبيح.
ويحتمل أن يريد بذكر اسمه : جميع أنواع الأذكار من الخير.
ويراد بالتسبيح بالغدو والآصال : الصلاة المفروضة.
ثم قال بعضهم : الغدو : صلاة الغداة ، والآصال : صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء ؛ فيجعل الأصيل عبارة عن هذه الصلوات في أوقاتها.
وقال بعضهم : الآصال : صلاة العصر خاصة ، وأما غيرها من الصلوات فإنما عرف لا بهذا ولكن بشيء آخر ، والغدو هو صلاة الفجر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ) ، أي : لا تشغلهم تجارة ولا بيع ، ذكر
__________________
ـ حديث أبي أمامة : أخرجه أحمد (٥ / ٢٤٨ ، ٢٥٦) ، وذكره الهيثمي في المجمع (٨ / ٢٦٢) ولفظه : «فضلت بأربع : جعلت الأرض لأمتي مسجدا وطهورا».
وقال الهيثمي : رواه أحمد والطبراني بنحوه ، ورجال أحمد ثقات.
حديث السائب بن يزيد : رواه الطبراني في الكبير كما في المجمع (٨ / ٢٦٢) ، وقال الهيثمي : «وفيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة وهو متروك».