التجارة والبيع ، والبيع تجارة ، ولكن كان اسم التجارة يجمع كل أنواع التقلب ، واسم البيع يقع على خاص ، وكذلك يقال للذي يجمع أنواع التقلب : تاجر ، وللذي يبيع شيئا خاصّا : بائع.
أخبر أنه لا يشغلهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله (١).
ثم جائز أن يكون قوله : (لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) أي : لا يشتغلون بالتجارة والبيع ، ولكن فرغوا أنفسهم لذكر الله ، وإقامة الصلاة ، وما ذكر.
وجائز أن يكون يتجرون ويبيعون لكن تجارتهم وبيعهم لا تشغلهم ، ولا تمنعهم عن ذكر الله ، يكونون أبدا في ذكر الله.
ثم قوله : (عَنْ ذِكْرِ اللهِ) يحتمل الصلاة.
وقوله : (وَإِقامِ الصَّلاةِ) أي : تمام الصلاة بركوعها ، وسجودها ، وقراءتها ، وجميع أسبابها ، وشرائطها.
وجائز أن يكون قوله : (عَنْ ذِكْرِ اللهِ) جميع أنواع الأذكار (وَإِقامِ الصَّلاةِ) وإقامة الصلاة بنفسها وإيتاء الزكاة.
وقال بعضهم : جائز أن يكون قوله : (عَنْ ذِكْرِ اللهِ) الخطبة (وَإِقامِ الصَّلاةِ) صلاة الجمعة ؛ لأنه قال : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً ...) الآية [الجمعة : ١١] ، وقال : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ) [الجمعة : ٩] وهي الخطبة. [وهذا القول] غير مسموع من أهل التأويل ، ولكنه يحتمل ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) وهو يوم القيامة يخبر عن شدة هول ذلك اليوم وخوفه إذ لا تثبت القلوب والأبصار فزعا منه وخوفا ، كقوله : (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ ...) الآية [إبراهيم : ٤٣] ، وكقوله : (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ) [غافر : ١٨].
وجائز أن يكون قوله : (يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) يعرفون مرة ، ويجهلون تارة ، ويعتبرون يومئذ بما لم يعتبروا في الدنيا ، ويقرون بما لم يقروا.
وقال بعضهم (٢) : (يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ) ، حين زالت عن أماكنها من الصدور ، فنشبت في حلوقهم عند الحناجر ، ثم قال : (وَالْأَبْصارُ) أي : تتقلب أبصارهم فيكونون زرقا ، وهو قول مقاتل.
وقوله : (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) يحتمل قوله : (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) أي :
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٤ / ٣٩٦).
(٢) قاله الضحاك أخرجه ابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٩٤).