خصومة ، وأن اليهودي دعا بشرا إلى رسول الله ، ودعاه بشر إلى كعب بن الأشرف ، فقال : إن محمدا يحيف علينا ، أو نحوه من الكلام ؛ فنزل هذا ؛ لكنا لا نعلم أنه فيمن نزل سوى أن فيه بيانا أنها إنما نزلت في المنافقين.
وفي ظاهر الآية دلالة أنهم علموا أن رسول الله لا يقضي إلا بالحق ؛ ألا ترى أنه ذكر في آخره : (وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ) مسرعين مطيعين ، ولو كان عندهم أنه يقضي بالجور لكانوا لا يأتونه للقضاء ، وإن كان الحق لهم مخافة الجور والظلم عليهم ، لكن ما ذكر في سياق هذا يمنع هذا التأويل.
وقوله : (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ) في هذا من الدلالة أن عندهم أنه لا يقضي بالحق لهم ، وأنه يجور ؛ حيث قال : (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ) إن كان على هذا الوصف فهو يخاف جوره وحيفه ، إلا أن تجعل الآية في فرق من المنافقين : فرقة منهم عرفوا أنه لا يقضي إلا بالحق ، وفرقة منهم كان في قلوبهم مرض ، وفرقة ارتابوا ، وفرقة خافوا جوره ، وهم كانوا فرقا ؛ ألا ترى أنه قال : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ) ومنهم من قال : كذا ، ومنهم من قال : كذا.
أو أن يكون تأويل قوله : (وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ) أي : وإن يكن لهم القضاء بالحق أتوه مذعنين ؛ أي : إذا عرفوا أنه يقضي لهم لا محالة أتوه ، وإلا لا يأتونه ، فإن كان على هذا ، فما ذكر على سياقه من المرض والارتياب والخوف في الحيف فمستقيم.
على هذين الوجهين يحتمل أن يخرج تأويل الآية ، وأما على غير ذلك فإنا لا نعلم ، والله أعلم.
وقوله : (وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) ؛ لأن من ارتاب ، أو شك في رسالته ، أو خاف جوره وحيفه فهو كافر ، ليس بمؤمن.
وفي قوله : (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ) يخرج على وجهين وإن كان ظاهره حرف شك :
أحدهما : على الإيجاب والتحقيق ، أي : في قلوبهم مرض وارتابوا وخافوا على ما ذكرنا في حرف الاستفهام أنه في الظاهر ، وإن كان استفهاما فهو في التحقيق علم وإيجاب ؛ أي : قد علمت ورأيت ونحوه ؛ لما لا يجوز الاستفهام منه ، فعلى ذلك هذا.
والثاني : ما ذكرنا أنه في فرق : فرقة عرفت أنه لا يقضي إلا بالحق ، وفرقة منهم ارتابت ، وفرقة منهم خافت جوره وظلمه.