ومخالفته (فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) وفي حرف ابن مسعود وأبيّ وحفصة فأولئك هم المؤمنون فهما واحد.
وقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) قال بعضهم : كل يمين بالله فهي جهد اليمين ؛ لأنهم من عاداتهم أنهم كانوا لا يحلفون بالله إلا في العظيم من الأمر والخطير ، فأمّا الأمر الدون فإنما يحلفون بغيره ، فيكون على هذا كل يمين بالله فهو جهد اليمين.
ويحتمل أن يكونوا حلفوا بيمين غليظة شديدة على ما يغلظ الناس في أيمانهم ربّما ، فسمى ذلك جهد اليمين.
أو أن يكون جهد اليمين ما ذكر على أثره ، وهو قوله : (لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَ) قوله : (لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَ) هو جهد أيمانهم ، والله أعلم.
وقوله : (لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَ) قوله : (لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ) يحتمل وجوها :
لئن أمرتهم ليخرجن من أرضهم التي تخاصموا إليه فيها ؛ أي : ليخرجن ويسلمونها إلى خصمهم.
ويحتمل : لئن أمرتهم (لَيَخْرُجُنَ) من جميع أملاكهم وما تحويه أيديهم ، تعظيما لأمرك وإجلالا ، فكيف لا يتبعون لقضائك وينقادون لحكمك.
وجائز أن يكون قوله : (لَيَخْرُجُنَ) من المدينة بعيالاتهم وجميع حواشيهم إلى بلدة أخرى.
وقال بعضهم (١) : (لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَ) أي : أمرتهم أن يخرجوا في الجهاد ليخرجن ؛ لأنهم كانوا يتخلّفون.
ثم أمر رسوله أن ينهاهم عن القسم الذي أقسموا فقال : (قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) اختلف فيه :
قال بعضهم : لا تقسموا ؛ فإن الله لو بلغ منكم الجهد لم تبلغوه ، ثم قال : (طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) يقول : أطيعوه وقولوا له المعروف.
وقال بعضهم : قوله : (لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا) تم الكلام ، ثم قال : (طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ).
وفي هذا الكلام حذف ؛ للإيجاز يستدل بظاهره عليه ؛ كأن القوم كانوا ينافقون ويحلفون في الظاهر على ما يضمرون خلافه ، فقيل لهم : لا تقسموا هي طاعة معروفة
__________________
(١) قاله مقاتل ، أخرجه ابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٩٩).