ثم اختلف فيما ملكت أيماننا : قال جماعة (١) : هن النساء دون الرجال ، وأما الرجال فإنهم يستأذنون في جميع الأوقات.
وقال بعضهم (٢) : هم النساء والرجال جميعا ، والنهي عن الدخول في هذه الأوقات الثلاث ؛ إذ هي أوقات غرة وساعات غفلة للذكور والإناث جميعا.
ومنهم من يقول : هم الكبار فإنهم دون الصغار.
والأشبه أن يكون في الصغار منهم ؛ لأن الكبار منهم والأحرار سواء في حظر النظر إلى العورة وإباحته ؛ ألا ترى أنه قال : (وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ) وهم الأحرار والصغار ؛ فعلى ذلك قوله : (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) الصغار منهم ؛ أمر السادات بتعليمهم ما ذكرنا من الأمور ، والله أعلم.
وقوله : (وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ) هذا يحتمل وجهين :
يحتمل قوله : (لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ) أي : لم يحتلموا ، ويحتمل الذين لم يبلغوا الحلم أو لم يبلغوا مبلغ الحلم بعد ما جعلهم في مراتب ثلاث ؛ أعني : الصغار في حال لا يؤمرون ولا ينهون ، وهي الحال التي لا يميزون بين العورة وبين غير العورة ، وهو ما قال : (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) أي : لا يعرفون العورة من غير العورة ، وحال يعرفون ذلك إلا أنه لا يقع لهم الحاجة إليها فيؤمرون بالستر عنهم ، وحال يقع الحاجة إليها وقضاء الوطر ، فيؤمرون بالحجاب والتفريق في المضاجع ، والله أعلم.
وقوله : (ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ) يحتمل قوله : (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ) وجهين :
أحدهما : ثلاث أوقات عورات لكم وساعاتها.
ويحتمل : (ثَلاثُ عَوْراتٍ) أي : ثلاث حالات تظهر فيها العورة ؛ كقوله : (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) [الأحزاب : ١٣] أي : ليس مما يمنع السرق عن السرقة فيها.
وفيه أن العمل بالاجتهاد في الأغلب والأكبر من الرأي والأمر ليس على الحقيقة جائز ؛ لأنه قد سمّى بثلاث عورات من الأمر ، ونهى عن الدخول بلا استئذان ، وإن كان يجوز أن تكون العورة مستورة ، والمباح في غيرها من الأوقات الدخول بلا استئذان ، ويجوز أن يكون هناك كشف العورة ؛ حيث قال : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَ) أي : بعد
__________________
(١) قاله ابن عمر ، أخرجه الفريابي عنه ، وعن أبي عبد الرحمن السلمي ، أخرجه الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٠٣).
(٢) قاله أبو عبد الرحمن ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٦١٨٥).