وقال بعضهم : من بيوت أزواجهم ونسائهم.
وقال بعضهم : من بيوت أنفسهم ، وهو ما يجد الرجل في بيته من طعام فإنه لا بأس أن يأكله ، وكذلك لا بأس للرجل أن يتناول من بيت زوجته ؛ لأنه لم يذكر في الآية الولد وبيت الزوجة على الإشارة والتفسير ، فيصرفون تأويل قوله : (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) إلى هؤلاء.
وقوله : (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) أي : خزائنه ؛ يحتمل : العبيد ؛ لأن السيد يملك مال عبده.
ويحتمل : الوكيل والخازن أن يأكل من طعامه وأدمه بغير إذن السيد.
ويحتمل قوله : (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) السيد نفسه صاحب الخزانة ومالكها.
ثم ذكر الأكل من بيوت من ذكر على التأويل الذي ذكرنا ، واستدللنا على إيجاب النفقة لهؤلاء الزمنى في أموال من ذكرنا من القربات يخرج على وجهين :
أحدهما : ذكر البيوت ؛ لأنهم إذا كانوا زمنى يستوجبون السكنى ـ أيضا ـ مع النفقة ، فذكر البيوت لكونهم فيها وسكناهم معهم.
والثاني : ذكر الأكل من بيوتهم ، لئلا يفهم من الأكل الأخذ منها ؛ لأنه ذكر في آيات الأكل ، والمراد المفهوم منه : الأخذ ؛ كقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) [النساء : ٢٩] وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) [النساء : ١٠] وقوله : (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا) [آل عمران : ١٣٠] مفهوم المراد من الأكل المذكور في هذه الآيات : الأخذ ، لا الأكل نفسه ، فذكر ـ هاهنا ـ الأكل من بيوتهم ؛ لئلا يفهم منه الأخذ كما فهم من ذلك.
وعلى تأويل أهل التأويل يستقيم ظاهر ذكر البيوت ؛ إذ لا يجعلون ذلك الأكل والتناول منه أكلا وتناولا بحق.
وقوله : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) قال بعضهم (١) : ذكر هذا لأن قوما كانوا لا يأكلون وحدهم ، ولا يرون ذلك حسنا في الخلق ، ويتحرجون من ذلك حتى يكون معهم غير ، فرخص الله ـ تعالى ـ لهم ذلك ورفع عنهم الحرج ، فقال : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً).
وعلى تأويل من يقول : إنهم استضافوا قوما فلم يجدوا في بيتهم شيئا يأكلون ذهبوا بهم إلى بيوت هؤلاء ، فتحرج أولئك الأضياف [من] الأكل من بيوت من ذكر وأرباب البيوت
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٦٢٣٣) ، وعن ابن جريج (٢٦٢٣٤) ، والضحاك (٢٦٢٣٥) ، وغيرهم.