و (عسى) من الله واجب ، أي : يكون لا محالة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قَرِيباً) ، أي : كائنا ، القريب يقال على الكون ، أي : كائنا ، ويقال على القريب والبعيد كذلك يقال على الإنكار رأسا ، ويقال على الاستبعاد ؛ كقوله : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً* وَنَراهُ قَرِيباً) [المعارج : ٦ ، ٧] ، أي : هم لا يرونه كائنا ، ونراه نحن كائنا ؛ كقوله : (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ) [الشورى : ١٨] : كانوا (١) يستعجلون بها ؛ لما لم يكونوا يرونه كائنا والمؤمنون يرونه كائنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ).
يحتمل هذا الدعاء ، والإجابة : دعاء الخلقة ، وإجابة الخلقة ؛ لما كانت خلقتهم تعظم ربهم ، وتحمده في كل وقت ، وتنبئ على ما ذكرنا في غير آية من القرآن.
ويحتمل دعاء القول وإجابة القول والعمل ؛ لما كانوا عاينوا قدرته وعظمته أجابوا له بحمده وثنائه ؛ كقوله : (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ) [القمر : ٨] [ونحوه](٢) أو أن يكون قوله : (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ) : يوم القيامة ـ كقوله : (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ ...) الآية [القمر : ٦].
وقوله : (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ ...) الآية [إبراهيم : ٤٣] : أخبر أنهم يجيبون داعيهم يومئذ ويثنون على الله ؛ لما رأوا من الأهوال من ترك الإجابة له في الدّنيا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) ، أي : تجيبون داعيه بثنائه وبحمده ، أي : تثنون على الله وتحمدونه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً).
قال الحسن : قوله : (وَتَظُنُّونَ) أي : تعلمون وتيقنون أنكم ما لبثتم في الدّنيا إلا قليلا ، وكذلك قال قتادة ، أي : يستحقرون الدنيا ويصغرونها ؛ لما عاينوا القيامة وأهوالها (٣).
[وجائز أن يكون قوله : (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) في القبر وجائز أن يكون في الدنيا يستقصرون المقام فيها لطول مقام الآخرة وأهوالها](٤) ثم من أنكر عذاب القبر احتج بظاهر هذه الآية ؛ حيث قال : (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) ، وقوله : (لَبِثْنا يَوْماً) [الكهف : ١٩] ، ومثله قالوا في العذاب والشدة : لم يكونوا يستقصرون ويستصغرون المقام فيه ؛ إذ كل من كان في عذاب وبلاء وشدة ـ يستعظم ذلك ويستكثر ولا ينساه أبدا ، هذا المعروف عند الناس فإذا هم استقلوا ذلك واستصغروه حتى قالوا : (يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) [الكهف : ١٩] ، وقالوا :
__________________
(١) في ب : فيما كانوا.
(٢) سقط في أ.
(٣) أخرجه ابن جرير (٢٢٣٦٩) ، وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (٤ / ٣٤٠).
(٤) ما بين المعقوفين سقط في أ.