هذه الآيات ؛ ليحاجّ بها هؤلاء ، ويعلم أن كيف المعاملة مع هؤلاء ؛ إذ قد أقام الله ـ تعالى ـ من الآيات والحجج على بعثهم وإحيائهم حججا كافية ما لم يحتج إلى مثل هذا ، لكنّه ذكر هذا ؛ لما ذكرنا ـ والله أعلم ـ : كأن الذي حملهم على إنكار ذلك وجوه من الاعتبار :
أحدها : أنهم لم يروا من الحكمة إماتتهم ثم الإحياء على مثل ذلك إذ لو كان يحييهم ثانيا ـ لكان لا يميتهم ؛ كنقض البناء على قصد بناء مثله.
والثاني : لما رأوا أقواما قد ماتوا منذ زمن طويل ثم لم يبعثوا ؛ فيقال لهم : إنه قد تأخر كونكم وإنشاؤكم ، ثم لم يدلّ تأخركم على أنكم لا تكونون ؛ فعلى ذلك لا يدلّ تأخر البعث على أنه لا يكون.
وأما جواب الأوّل فإنه يقال لهم : إنكم تقرون أنه أنشأكم أوّل مرة وأنه يميتكم ، فليس من الحكمة إنشاء ثم الإماتة ؛ لأنه يكون كمن بنى بناء للنقض والإفناء ؛ فإذا كان [الأول] حكمة كان الثانى ـ أيضا ـ حكمة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ).
أي : يعيدكم الذي خلقكم أوّل مرة ولم تكونوا شيئا على ما ذكرنا وإعادة الشيء [في عقولكم أهون وأيسر من ابتدائه ؛ إذ لا أحد في الشاهد يتكلف تعلم إعادة الشيء](١) ومعرفته ، وإنما يتكلفون تعلم ابتداء الصناعات ومعرفتها ، ثم يعرفون إعادة [ذلك](٢) بمعرفة ابتدائية ؛ فدلّ [ذلك](٣) أنه أهون وأيسر ، وهو ما قال : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم : ٢٧] ، أي : في عقولكم ذلك أهون وأيسر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ).
أي : يحركون رءوسهم ؛ استهزاء به وهزوا.
(وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ).
على الاستهزاء أيضا ، أي : لا يكون.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ) : قالوا ذلك جهلا به وإنكارا ، وإلّا لو علموا أنه كائن لا محالة لكانوا لا يقولون ذلك ؛ بل يخافون كما خاف الذين آمنوا به.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً).
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.