قال بعض أهل التأويل : أي : لو كنتم حجارة أو حديدا فيميتكم ، لكن هذا بعيد ؛ لأنهم لم يكونوا ينكرون الموت ؛ إذ كانوا يشاهدون الموت ؛ فلا يحتمل الإنكار ، ولكن كانوا ينكرون البعث بعد الموت وبعد ما صاروا ترابا ورفاتا ، إلا أن يقال : إنكم لو كنتم بحيث لا تبعثون ولا تجزون بأعمالكم لكنتم حجارة أو حديدا ، لم تكونوا بشرا ؛ لأن الحجارة والحديد ونحو ذلك غير ممتحن ، ولا مأمور بشيء ، ولا منهي عن شيء ، وأما البشر فإنهم لم ينشئوا إلا للامتحان بأنواع المحن والأمر والنهي والحل والحرمة ، فلا بد من الامتحان ؛ فإذا امتحنوا بأشياء لا بدّ من البعث للجزاء والعقاب ، فإذا لم تكونوا ما ذكر ولكن كنتم بشرا فاعلموا أنكم تبعثون وتجزون بأعمالكم على هذا يحتمل أن يصرف تأويلهم ، لا إلى ما قالوا ؛ وإلا ظاهر ما قالوا وتأولوا لا يحتمل ؛ لما لا أحد أنكر الموت.
ويحتمل قوله : (قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً. أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) ، أي : لو كنتم ما ذكر حجارة أو حديدا أو أشدّ ما يكون من الخلق لقدر أن ينشئكم بشرا من ذلك ؛ فكيف إذا كنتم بشرا في الابتداء؟! أي : يعيدكم بشرا على ما كنتم كما أنشأكم في الابتداء من ماء وتراب ، وليس في ذلك الماء والتراب من آثار بشر شيء من العظام واللحوم والعصب والجلد وغيرها ؛ فمن قدر على إنشاء [هذا قدر على إنشاء](١) البشر بعد الموت وبعد ما صار ترابا ورفاتا ، على هذا يجوز أن يتأول.
ووجه آخر أن يقال : ظنوا أن لو كنتم حجارة أو حديدا أو ما ذكر لبعثكم ؛ فكيف تظنون أنه لا يبعثكم إذا كنتم ترابا ورفاتا أو كلام نحوه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ).
ذكروا هذا وكل ما يكبر في صدورهم على ما ذكر.
(فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا).
استهزاء منهم به.
(قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ).
إنهم ، وإن قالوا ما قالوا استهزاء به وسخرية ، فقد أمر الله ـ تعالى ـ أولياءه المؤمنين أن يحاجّوهم محاجة العقلاء والحكماء مع الحجج والبراهين ، وإن كانوا قالوا سفها واستهزاء ، وعلى ذلك عاملهم الله ، وإن كانوا سفهاء في قولهم مستهزءين ، وكذلك أمر رسله أن يعاملوا قومهم أحسن المعاملة ؛ حيث قال : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل : ١٢٥] ، وقال : (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإسراء : ٥٣] وإنما ذكر الله
__________________
(١) سقط في أ.