يحتمل ما ذكرنا : أنه أعلم بمصالحهم ومفاسدهم ، وما يسرّون وما يعلنون ، ويحتمل غير هذا ؛ جوابا لقولهم : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] ، وقوله : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤].
يقول ـ والله أعلم ـ (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ) ، أي : أعلم بمن يصلح للنبوة والرسالة ، وبمن لا يصلح ، ومن هو أهل لها [ومن ليس بأهل لها](١).
أو يقول : أعلم بمن في السموات والأرض ، أي : عن علم بما يكون منهم أنشأهم لا عن جهل ، أو أعلم بهم من أنفسهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ).
مثل هذا لا يكون إلا في نازلة ، لكنه لم يذكر النازلة التي عندها نزلت ، ثم اختلف فيما ذكر من تفضيل بعض على بعض :
قال بعضهم (٢) : إنه أعطى كلّا شيئا لم يعط غيره ؛ من نحو ما ذكر أنّه كلّم موسى ، واتخذ إبراهيم خليلا ، وأعطى عيسى إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ، وهو روح منه وكلمته ، وأعطى سليمان ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، وأعطى داود زبورا ، وأعطى سيّدنا محمّدا صلىاللهعليهوسلم أن بعث إلى الناس كافّة ، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر ومثله.
وقال بعضهم : فضل بعضا على بعض في الدرجة والمنزلة والقدر عنده.
فالأوّل : يكون التفضيل في الآيات والحجج ، والثاني : في أنفسهم : في المنزلة والقدر.
ويحتمل ما ذكر من تفضيل بعض على بعض في الآيات والحجج.
ويحتمل في كثرة الأتباع : يفضل بعضهم على بعض بكثرة الأتباع.
والثالث : يفضل بعضهم على بعض في القيام بشكر ما أنعم عليه وصبره على ما ابتلاه به.
والرابع : [...](٣)
وعلى قول المعتزلة : لا يكون لأحد فضيلة عند الله إلا باستحقاق منه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً).
جميع كتب الله : زبور ؛ لأن الزبور هو الكتاب. وقد ذكرنا أنا لا ندري لأية نازلة ذكر هذا ، ولا يحتمل ذكر مثله على الابتداء والاستئناف ، لكن فيه أن التفضيل والمنزلة إنما يكون من عند الله ، ومن عنده يستفاد لا بتدبير من أنفسهم واستحقاق ؛ حيث قال : (انْظُرْ
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) قاله قتادة ، أخرجه جرير (٢٢٣٧٢) وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٤١).
(٣) بياض بالأصل : نبه عليه الناسخ في حاشية أ.