الشيطان بحيث يوسوس إليهم ويدعوهم إلى أشياء يظنون أن ذلك خير لهم ، وأبدا يلقي إليهم ما يقع عندهم أن ذلك أنفع لهم ويحبب إلى كلّ مذهبا يقع عنده هو الحق ؛ فيقع (١) بذلك الإفساد وإبقاء العداوة بينهم أبدا هذا دأبه وشأنه يجبر كلا إلى جهة ، ويري كل أحد جهة غير الجهة التي أرى الآخر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ).
هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : (أَعْلَمُ بِكُمْ) : بمصالحكم ، وما لا يصلح لكم في الدّنيا والآخرة.
والثاني : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) : بما تسرون وما تعلنون ، وما تعلمون وتفعلون ، وإلا : لا شك أنه أعلم بنا منا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ).
قال بعضهم (٢) : إن [يشأ] يرحمكم فينجيكم من أذى هؤلاء ، أو إن يشأ يعذبكم فيسلّطهم عليكم.
والثاني : إن يشأ يرحمكم ، فيهديكم إلى دينه ، ويوفقكم لسبيله ، أو إن يشأ ، يترككم ويخذلكم ، ولا يهديكم إلى سبيله ، ولا يوفقكم لدينه.
وقوله : (إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ) : يحتمل الرحمة في الدنيا والآخرة : أما في الدنيا : هو أن يوفقهم على الطاعة ، ويعينهم على ذلك وفي الآخرة : ينجيهم ويدخلهم الجنة. وأما التعذيب في الدنيا : أن يخذلهم ويتركهم على ما يختارون ، وفي الآخرة يعذبهم في النار بالذي اختاروا في الدّنيا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً).
قال بعضهم (٣) : أي : لم نجعلك حفيظا على ردّهم وإجابتهم وعلى صنيعهم.
وقال بعضهم : وكيلا ، أي : ثقيلا بأعمالهم ، أي : لا تؤخذ أنت بصنيعهم ؛ كقوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٥٢] ، وكقوله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) [النور : ٥٤].
وقال بعضهم : (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) ، أي : مسلطا عليهم وقاهرا لهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
__________________
(١) في أ : فيقصد.
(٢) قاله الكلبي ، كما في تفسير البغوي (٣ / ١١٩).
(٣) قاله البغوي (٣ / ١١٩).