وقوله ـ عزوجل ـ : (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) :
لا يحتمل أن يخاطب ربه ويقول : لئن أخرتني إلى كذا لأحتنكن ؛ لأنه لما طلب التأخير والبقاء إلى يوم القيامة كان طالب نعمة منه ومنة ؛ فيقول مقابل ما يطلب من النعمة : لئن أعطيتني ذلك لأعصينك؟! إنما يذكر مقابل طلب النعمة الطاعة له والشكر ؛ على ما قال : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَ) [التوبة : ٧٥] : إنما يقابل بطلب النعمة الطاعة له ، وأما مقابلة المعصية ـ فلا تعرف.
ثم يخرج قوله : (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) على وجهين :
أحدهما : على التأكيد ، يقول : أي إنك ، وإن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته.
أو على التمني منه الأمرين جميعا : التأخير ، واحتناك ذرّيته ، وسؤاله إياهما.
ثم اختلف في قوله : (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) :
قال بعضهم (١) : لأحتوينهم ولأحيطن بهم.
وقال بعضهم (٢) : لأضلّنهم ؛ على ما ذكر في آية أخرى : (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) [النساء : ١١٩].
وقال بعضهم : (لَأَحْتَنِكَنَ) : لأستزلن.
وقيل (٣) : لأستولين.
وقال القتبي (٤) : (لَأَحْتَنِكَنَ) ، أي : لأستأصلنهم.
ويقال : هو من حنك الدابة ، حنك دابته : يحنكها ، حنكا ، إذا شد في حنكها الأسفل حبلا يقودها به.
وقال القتبي : أي : لأقودنهم كيف شئت.
ثم قوله : (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) كأنه سأل ربه التأخير ، على ما ذكر في آية أخرى ؛ حيث قال : (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الحجر : ٣٦] ؛ كأن اللعين لما سمع قوله : (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ) [الحجر : ٣٥] [علم] أنه لا تناله الرحمة في الإيمان به ؛ حيث ذكر اللعنة عليه إلى يوم الدين ، واللّعين هو المطرود عن رحمته ،
__________________
(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٢٤٥٩) ، وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٤٧).
(٢) قاله ابن زيد ، أخرجه ابن جرير (٢٢٤٦٢) ، وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٤٧).
(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٢٤٦١) ، وابن المنذر وابن أبي ، حاتم كما في الدر المنثور (٤ / ٣٤٧).
(٤) ينظر : مجاز القرآن لأبي عبيدة ص (٣٨٤) ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة (١ / ٢٥٨).