بالحصباء ، وهي الحصى الصغار ، والقاصف : الريح الشديدة التي تقصف الشجر ، أي : تكسرها. وكذلك قال أبو عوسجة : القاصف : الشديدة من الرياح.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) :
كرمهم بأن خلقهم في أحسن صورة ؛ كقوله : (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) [غافر : ٦٤] ، وقومهم في أحسن تقويم وأحسن قامة ؛ كقوله : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين : ٤] ، وكرمهم بأن ركب فيهم العقول التي بها يعرفون الكرامات من الهوان ، ويعرفون بها المحاسن من المساوي ، والحكمة من السفه ، والخير من الشرّ ، وكرمهم بأن جعل لهم لسانا يتكلمون بها الحكمة وكل خير ، وبها يتوصلون إلى درك الحكمة وجمعها ، وكرمهم بأن جعل أرزاقهم أطيب الأرزاق وجعل لغيرهم ما خبث منها وما فضل منهم ، وكرمهم بأن خلق جميع ما على وجه الأرض لهم ؛ كقوله : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة : ٢٩] ، وكرمهم بأن سخر لهم جميع الخلائق : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) [الجاثية : ١٣] ، وجعل بني آدم هم المقصودون بخلق جميع الخلائق ونحوه ، وكرمهم حيث جعلهم بحيث يتهيّأ لهم استعمال السماء والأرض ، واستعمال الشمس والقمر ، واستعمال البحار والبراري ، وجميع الصعاب والشدائد في حوائجهم ومنافعهم ما لا يتهيّأ لغيرهم من الخلائق ذلك ؛ فذلك تفضيلهم.
وجائز أن يكون كرم بني آدم ؛ لأنه كرم آدم ، [وكرم آدم](١) ؛ لأنه أسجد ملائكته له ، وبعثه رسولا إليهم ؛ حيث قال : (أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) [البقرة : ٣٣] ؛ فلما كرم آدم صار بنوه مكرمين ـ أيضا ـ ولهذا نقول بأن الأب يصير مشتوما بشتم ابنه.
وما قال أهل التأويل : إنه فضل بني آدم على غيرهم من الحيوان والدواب ؛ حين أكلوا وشربوا هم بأيديهم وسائر الدّواب يأكلون بأفواههم ـ هذا الذي ذكروا هو من التفضيل ، إلا أن ذكره له خاصة ليس فيه كثير حكمة وفضل ؛ لكن فضلهم وكرمهم بما ذكرنا من وجوه الكرامات ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ).
هذا تفسير ما ذكر من تكريم بني آدم وتفضيله إياهم ، ثم يحتمل هذا وجهين :
أحدهما : أن جعل لهم البر والبحر مسخرين ؛ حتى يصلوا إلى ما في باطن البحر وظاهره من أنواع المال والمنافع.
__________________
(١) سقط في أ.