وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً).
لنعم ربّه ، يذكر سفههم من وجهين :
أحدهما : عبادتهم من يعلمون أنه لا ينعم عليهم في حال الرخاء ، ولا يدفع عنهم البلاء في حال الشدة.
والثاني : أن في [الشاهد من](١) أنعم على آخر نعمة ، وأحسن إليه ـ يشكر له ويثني عليه ، وإذا حلّ به بلاء وشدة من أحد من الخلائق يدعو عليه ويلعنه ، فمعاملة أولئك الكفرة مع الله على خلاف معاملة الخلق بعضهم بعضا : يخلصون له الدعاء في حال الشدة والبلاء ، ويكفرون نعمه في حال الرخاء ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ) :
على ما خسف قوما في البر ، (أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً).
على ما أرسل على قوم من الحصباء ، وهي الحصى ؛ فأهلكهم ، (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً) : ناصرا ينصركم ، أو معتمدا تعتمدون عليه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى).
أي : يحوجكم إلى ركوب البحر مرة أخرى ، (فَيُغْرِقَكُمْ) بما كفرتم.
أو يذكر هذا أن من قدر على إنشاء ما ذكر من الفلك وإجرائها في البحر ، وتسكين أمواجه ودفع أهواله عنكم ـ لقادر على إهلاككم في البر ، وإعادتكم في البحر ثانيا ، وإغراقكم فيه.
وفى قوله : (يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ) وقوله : (يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) ـ دلالة أن لله في فعل العباد صنعا ؛ لأنهم هم الذين يسيرون في البحر ، وهم الذين يجرون الفلك فيه.
ثم أضاف الإجراء إلى نفسه ، وكذلك السير ؛ ليعلم أن له فيه صنعا وفعلا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً) :
[قال بعضهم : (تَبِيعاً)](٢) أي : من يتبعنا بدمائكم ، ويطالبنا بها.
وقال أبو عوسجة : التبيع : الكفيل ، ويقال : المتقاضي في موضع.
وقال غيره : هو من التبعة ، أي : لا تجدوا لكم علينا به تبعة ، وهو ما ذكرنا.
وقال القتبي (٣) : الحاصب : الريح ؛ سميت بذلك ، لأنها تحصب ، أي : ترمي
__________________
(١) في أ : الشاهدين.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر : تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص (٣٥٩).