أحدها : يوم ندعو إمام كل أناس : كان إمامهم في خير أو شر فيجزى له جزاؤه ، ثم يكلف هو دعاء أتباعه إلى ما أعد لهم من الثواب والعقاب.
والثاني : يدعى كل إمام ورئيس في خير أو شرّ بأتباعه الذين يتبعونه فيما يدعوهم إليه نحو كل رسول يدعى بقومه الذين اتبعوه ، وكل رئيس وشيطان استتبعهم.
والثالث : (بِإِمامِهِمْ) : كتابهم الذي كتب لأعمالهم الذي كتبوا ؛ كقوله : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) [الإسراء : ١٣] ، ونحوه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ) :
كلهم قد يقرءون كتابهم ، غير أن المؤمن إذا نظر في الكتاب ـ فرح به واستبشر بما فيه ؛ فسهل عليه القراءة ، وهانت لما كان يتبع حجج الله.
وأمّا الكافر إذا نظر في الكتاب ، حزن واغتم به ؛ فعسر عليه قراءة كتابه ، وهو كقوله : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ* إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) الآية [الحاقة : ١٩ ، ٢٠] ، ويقول الكافر : (يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ ...) الآية [الحاقة : ٢٥] ؛ لأنه اتبع ما اتبع بلا حجة.
أو أن يكون المؤمن إذا نظر في كتابه ، رأى سيئاته مغفورة ، كقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) [الأحقاف : ١٦] ـ فرح بذلك ، والكافر إذا رأى سيئاته باقية عليه ، وحسناته قد بطلت ـ حزن بذلك واغتم ؛ لذلك قال ما قال ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً).
قال بعضهم : من كان في هذه الدنيا أعمى عن توحيد الله والإيمان به مع كثرة آياته ودلالته على وحدانيته ـ فهو عن الإيمان بالآخرة والبعث بعد الموت ـ أعمى.
وقال بعضهم : من كان في هذه الدنيا أعمى عن الحق ـ فهو في الآخرة أعمى عن حججه ؛ لأنه إذا عمي عن الحق نفسه فهو عن حججه أعمى ؛ فتكون (في) بمعنى (عن) ؛ إذ الآيات والدلالات على وحدانية الله أكثر وأظهر من الدلالة على البعث والآخرة ؛ إذ ليس شيء إلا وفيه أثر وحدانيته ودلالة ألوهيته ، ولا كذلك الآخرة ؛ فهو عن الإيمان بها أشد عمى.
وقال بعضهم : من عمي في هذه الدنيا عن الإيمان بالله ـ فهو في الآخرة أعمى عن الإيمان به ؛ لأن الدنيا مما يقبل فيها الإيمان ، وفي الآخرة لا يقبل ؛ وهو ما قال : (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) [سبأ : ٥٤] ، أي : حيل بينهم وبين ما يشتهون من الإيمان به ، (كَما