في أن يأتى القرآن موافقا لفهمهم ، لأن المقصود تصوير آكل الربا بأبشع صورة وأقبح منظر.
ولقد درج جمهور المفسرين على أن المراد أن آكل الربا يقوم يوم القيامة يتخبط كالذي مسه الجن استنادا إلى روايات كثيرة وردت في وصف قيامه يوم القيامة ، ولعل آكل الربا يبعث يوم القيامة على الحالة التي كان عليها في الدنيا فنجمع بين الرأيين.
وذلك الذي كان يفعله المشركون في الجاهلية من أكل الربا بسبب أنهم يستحلونه ويجعلونه كالبيع والشراء ، فكما يجوز لك أن تبيع الشيء الذي قيمته قرش بقرشين!
فلم لا يجوز أن تأخذ درهما في وقت العسرة والشدة وتدفع في وقت الرخاء درهمين؟ ولقد بالغوا في هذا حتى جعلوا البيع كالربا.
وقد أحل الله البيع إذ فيه معاوضة وسلعة قد يرتفع ثمنها في المستقبل وما زيد في الثمن إنما هو في مقابلة شيء ستنتفع به في الأكل أو اللبس أو غيرهما.
وحرم الربا إذ لا معاوضة فيه ، والزيادة ليست في مقابلة شيء ، بل كانوا إذا حل الدين فإن دفع المدين وإلا أجل الدائن في نظير زيادة الدين ، فأخذ هذه الزيادة ظلم وأى ظلم واستحلالها كفر وإثم.
فمن جاءه وعظ من ربه يتضمن تحريم الربا لمصلحة الأمة والجماعة فانتهى عما كان يفعله ، فله ما سلف أخذه في الجاهلية وأمره يوم القيامة إلى الله ، والله يحاسبه على ما أخذه بعد التحريم أما قبله فقد عفا عنه.
ومن عاد إلى أكل الربا بعد تحريمه ووقف على ضرره فأولئك البعيدون في الضلال والظلم أصحاب النار الملازمون لها هم فيها ماكثون مكثا الله أعلم به.
وكيف تقعون في الربا وخطره وتبتعدون عن الصدقة وبرها ، والربا يمحقه الله فلا بركة فيه ولا زيادة ، فالمال وإن زاد بسببه ونما في الظاهر فهو إلى قل وضياع ، والواقع الذي نشاهده شاهد على ذلك ، أليس المرابى مبغوضا من الله والناس أجمعين؟! فلا أحد يعاونه ولا إنسان يعطف عليه بل الكل حاسد شامت يتربص به الدوائر ، وهذا كله مما يساعد على ضياع المال ونقصانه.