أَيْدِيهِمْ) [الفتح ١٠] إلخ. فهذه آيات متشابهات تحتمل عدة معان ، ويخالف ظاهر اللفظ فيها المعنى المراد فهي مما استأثر الله بعلمه.
فليس لكم أيها النصارى أن تحتجوا بأمثال هذه الآيات فإنها من المتشابه الذي يحتمل عدة معان والله أعلم بها ، وكيف لا تدينون بقوله ـ تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) [سورة النساء آية ١٧٢]. وتتمسكون بآيات استأثر الله بعلمها هو.
فأما الذين في قلوبهم زيغ وميل عن الحق إلى الباطل فيتبعون المتشابه ويتركون المحكم ابتغاء فتنة الناس وإضلالهم ، ولكن يؤولون القرآن تأويلا غير سائغ في العقل ولكنه موافق لأوهامهم وضلالهم .. وما يعلم تأويله وحقيقته إلا الله.
بعض القراء يقفون على (الله) والراسخون في العلم كلام مستأنف ، وحجتهم في ذلك أنه وصفهم بالتسليم المطلق ومن عرف الشيء وفهمه لا يعبر عنه بما يدل على التسليم المحض.
على أن المتشابه ما استأثر الله بعلمه من أحوال الآخرة أو ما خالف ظاهر اللفظ فيه المراد منه ، فهذا لا يعلم حقيقته إلا الله والراسخون في العلم كغيرهم وإنما خصوا بالذكر لأنهم يقفون عند ما يدركون بالحس والعقل ، ولا يتطاولون إلى معرفة حقيقة المغيبات وإنما سبيلهم التسليم قائلين ، آمنا به كل من عند ربنا.
وبعضهم لا يقف على لفظ الجلالة ، والراسخون معطوف عليه على معنى لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم وذلك أن الله ذم الذين يبتغون التأويل لذهابهم إلى ما يخالف المحكم يبتغون الفتنة وإضلال الناس ، والراسخون ليسوا كذلك فهم أهل اليقين الثابت يفيض الله عليهم فيفهمون المتشابه بما يتفق مع المحكم جاعلين المحكم أساسا ويؤمنون بأن الكل من عند الله ، وهذا ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ يقول فيه المصطفى صلىاللهعليهوسلم : «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» (١) وإنما خص الراسخون في العلم بالذكر لئلا يقلدهم غيرهم في هذا الفهم.
بقي سؤال : لم نزل في القرآن المتشابه وقد نزل هاديا للناس جميعا والمتشابه يحول دون الهداية؟
__________________
(١) أخرجه أحمد ١ / ٢٦٦ وأصله في البخاري.