وإذا كان هذا شأن الرب ـ سبحانه ـ فاعبدوه ، ولا تجعلوا له أندادا في العبادة ، تعبدونهم وأنتم تعلمون أنه لا ندّ له يخلق شيئا مما ذكر ، وها هي ذي مظاهر قدرته ودلائل وحدانيته تدل عليه.
وإن كنتم في شك من القرآن وأنه أنزل على عبدنا ورسولنا النبي الأمى محمد بن عبد الله فها هو ذا القرآن ، فجدوا واجتهدوا واشحذوا عزائمكم ، واجمعوا جموعكم ، واستعينوا برؤسائكم وآلهتكم ، وأتوا بسورة تماثله في البلاغة وسداد التشريع الصالح لكل زمان ومكان ، والإخبار بالمغيبات إن كنتم صادقين في دعواكم أن القرآن من عند محمد وليس القرآن من عند الله ، وكيف يعقل هذا؟ ومحمد بشر منكم أمى مثلكم لم يقرأ ولم يكتب ، وأنتم مجتمعون وفيكم الشاعر والخطيب والبليغ والأديب ، والقرآن كلام عربي من جنس ما تتكلمون به في خطبكم وأشعاركم بل كلامكم العادي ، وقد تحداكم الله به وأنتم ومن يحضر معكم من جهابذة القول وأعلام البلاغة وفرسان البيان ، فإن عجزتم ـ وأنتم لا شك عاجزون ـ فارجعوا إلى الحق وآمنوا بمحمد وبما أنزل عليه من القرآن ، وفي ذلك وقاية لكم من النار التي وقودها الناس والحجارة التي أعدها الله للكافرين.
تحدى الله العرب أن يأتوا بسورة تماثله في البيان وقوة الأسلوب ، ودقة التعبير وغير ذلك مما برع العرب فيه ، أما النواحي السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية والقانونية فذلك شأن عال ، ومنزلة رفيعة أثبتت الأيام أن القرآن فيه معجزة للعالم كله.
(بحث لعل) : أصل لعل للترجى ، فإذا قلت لصديقك : لعلك تزورنى ، كان المعنى أرجو وأطمع في زيارتك ، وهنا لا تصح أن تكون كذلك لأن رجاء تقواهم لا يكون من القادر الذي في قبضته كل شيء وهو العليم الخبير.
ولكن لما خلق الله الخلق لعبادته (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (١) وقد أوضح لهم الطريقتين ، وطلب منهم سلوك الطريق المستقيم مرارا كأنه في صورة الذي يرجو تقواهم وكأنها مرجوة له سبحانه ... وهي تفيد كذلك التعليل.
__________________
(١) سورة الذاريات ٥٦.