وقد استطرد القرآن فقال : من أهل الكتاب قوم مؤمنون حقيقة كعبد الله بن سلام وأحزابه وكثير منهم فاسقون وخارجون عن حدود دينهم وكتبهم.
ولو سئل أحبار اليهود عن أنفسهم لما قالوا أكثر من ذلك.
هؤلاء اليهود موصوفون بما يأتى :
لن يضروكم أبدا إلا ضررا بسيطا كالهجاء والخوض في النبي صلىاللهعليهوسلم وفي عرضه والتنفير من الدين الإسلامى.
وإن يقاتلوكم ينهزموا أمامكم ويولوكم الأدبار ، وهذا ليس بالجديد على أمثالهم ثم بعد هذا لا ينصرون أبدا.
وصفهم القرآن بثلاث : عدم الضرر. والفرار في الحرب. وعدم النصر ؛ ولكن هذا مع من؟ مع قوم نصروا الله فنصرهم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) فما دمنا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن بالله إيمانا صحيحا فلا بد أن نكون أقويا أعزاء ، وما داموا هم فاسقين خارجين عن حدود الله والطاعة والإيمان يكون هذا الحكم لنا ولهم ، وإذا لم نكن كذلك فحالنا وحالهم كما نرى الآن.
وقد وصفوا كذلك بأن الذل قد ألصق بهم حتى أثر فيهم كما يؤثر الضرب في النقد فلا خلاص لهم من الذل أبدا إلا بسبب عهد لهم من الله وهو ما قررته الشريعة لهم من المساواة في الحقوق والقضاء وتحريم الإيذاء ، وعهد من الناس وهو ما تقتضيه المشاركة في الوطن والحاجة والانتفاع في الصناعة والتجارة. أو المراد عهد من الناس يحميهم.
وصاروا مستحقين لغضب الله مستوجبين سخطه قد أحاطت بهم المسكنة إحاطة المكان بمن فيه ، فهم في الذل والحاجة أبدا.
ولا شك أنهم كذلك إلى الأبد وإن كانوا مياسير وأغنياء لأنهم ورثوا صفات الذل وضعف النفس وامتهانها بل بيع الشرف لأجل المال فهم في فقر دائم وذل مستمر ومتألهين المال ، وفي الجزء الأول توضيح المقام فارجع إليه ص (٣١).