وها هو ذا اليوم في أحدث الحروب تنفق الملايين على الدعاية وتقوية الروح المعنوية إذ لها خطرها وأثرها.
وما جعل قول النبي صلىاللهعليهوسلم للمؤمنين : (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ) الآية إلا بشرى لكم يبشركم بها كي تطمئن قلوبكم ويهدأ روعكم بوعده بالنصر لكم.
وما النصر على الأعداء إلا من عند الله وحده بقطع النظر عن العدو وعدده وعدده مهما كانت ؛ فالله هو العزيز الذي لا يغالب الحكيم في كل شيء يفعله.
وليس معنى هذا ترك الأخذ بالأسباب بل الواجب أن تأخذ بها معتقدا أن الله فوق هذه الأسباب وأنه خالقها وليست مؤثرة بطبعها ، فالاعتماد على الله والتوكل عليه بعد الأخذ بها ، ولعل انهزام المسلمين في أحد لعدم أخذهم بالأسباب كمخالفتهم للقائد ونزاعهم وخلافهم وغزوهم بأنفسهم.
فعل الله ما فعل من نصركم يوم بدر وإمدادكم بالملائكة ليقطع ويهلك طائفة من رءوس الكفر والشرك بالقتل والأسر أو يكبتهم ويغيظهم ويخزيهم فينقلبوا خائبين غير ظافرين (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً) (١) أو يتوب عليهم إن أسلموا ورجعوا إلى الله ، أو يعذبهم إن أصروا على الكفر والشقاق فإنهم ظالمون لأنفسهم.
وأما أنت يا محمد فليس لك من الأمر شيء (٢) إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب فلا تبتئس ولا تتألم منهم وتدعو عليهم بقولك «كيف يفلح قوم فعلوا بنبيهم هذا»! لا تفعل هذا فربما يتوب الله على بعضهم ، وقد تاب على أبى سفيان والحارث بن هشام وسهل بن عمر وصفوان بن أمية.
ثم أكد الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن الأمر بيده بقوله : ولله ملك السموات والأرض وما فيهما يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء بحكمته وعدله ، وهو الغفور الذي يستر الذنوب إن أحب ، الرحيم بالخلق حيث يترك العقاب بالحكمة التامة والسنن المحكمة.
__________________
(١) سورة الأحزاب آية ٢٥.
(٢) وعلى هذا فقوله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) معترض ، وما بعده معطوف على ما قبله.