قل لهم يا محمد : إن الأمر والنصر كله لله ، ولا يكون من غيره (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) (١). (وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ). (٢)
هم يضمرون في أنفسهم العداوة والحقد لكم ويظهرون غير ذلك ولا غرابة فهم المنافقون والمخادعون.
يقولون : لو كان لنا من النصر والفوز نصيب ما قتلنا ها هنا ، فهزيمتنا دليل واضح على أن النصر لن يأتى لنا وأن محمدا ليس نبيا ؛ إذ لو كان نبيا ما هزم ، فهم يربطون بين النبوة والنصر. وما علموا أن النصر من عند الله وتوفيقه وأن الهزيمة من أعمالهم ومخالفتهم ، ومع ذلك فالعاقبة للمتقين.
وهؤلاء ختم الله على قلوبهم ، فغفلوا عن أن الأعمار بيد الله وأن النصر من عنده وأن الذين كتب عليهم القتل ، لا بد من حصوله ولو كانوا في بروج مشيدة.
قل لهم : لو كنتم في بيوتكم وقد كتب عليكم القتل ، لخرج الذين كتب عليهم القتل إلى حيث يصرعون ويقتلون ، فالحذر لا ينجى من القدر ، والتدبير لا يقاوم التقدير والأمر كله بيد الله والعاقبة للمتقين.
وقد فعل الله ما فعل ، ليمتحن ما في صدوركم من الإخلاص والتقوى ، وليمحص ما في قلوبكم من وساوس الشيطان حتى تصل إلى الغاية القصوى في اليقين ، والله عليم بصاحبات الصدور التي لا تنفك عنها من الأسرار والضمائر ؛ فهو لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ، وهو الغنى عن الابتلاء والاختبار ولكن يفعل هذا لينكشف حال الناس بعضهم لبعض فلا ينخدع إنسان بظاهر أخيه.
إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان من المشركين والمسلمين وتركوا أماكنهم أو تولوا منهزمين ، إنما أوقعهم الشيطان في هذا الخطأ بسبب بعض أفعالهم السابقة فإن الذنب الذي يفعله الإنسان يترك نكتة سوداء في القلب يرتكز عليها الشيطان فينفذ منها إلى الإنسان ويوحى إليه بالسوء.
ولقد عفا الله عنهم لما تابوا وأنابوا وكانت عقوباتهم في الدنيا جوابر لهم ، إن الله غفور للذنوب حليم لا يعاجل بالعقوبة.
__________________
(١) سورة المجادلة آية ٢١.
(٢) سورة الصافات آية ١٧٣.