صرفكم الله عنهم فجازاكم غما وغما حين ابتلاكم بالهزيمة بسبب غم منهزمين لا تلتفتون وراءكم ، والحال أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يدعوكم قائلا :
«إلىّ عباد الله ، إلىّ عباد الله ، أنا رسول الله ، من يكرّ فله الجنة» يدعوكم في الجماعة المتأخرة الذين ثبتوا مكانهم ولم تنخلع قلوبهم وظلوا يدافعون عن النبي صلىاللهعليهوسلم.
صرفكم عنهم وقت أن كنتم تصعدون في الجبل وتبعدون في السير ألحقتموه للنبي صلىاللهعليهوسلم بعصيانكم أمره ، ومخالفة رأيه ، ويصح أن يفهم (أصابكم غما بعد غم) هزيمة المشركين وإشاعة قتل النبي صلىاللهعليهوسلم وقتل الأحبة وفوات النصر والغنيمة.
وما فعل بكم كله إلا ليمرنكم على الشدائد فإنها هي التي تخلق الرجال والأمم ولئلا تحزنوا على شيء فات ، ولا ما أصابكم من عدوكم ، والله خبير بأعمالكم فمجازيكم عليها.
روى الزبير ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : لقد رأيتنى مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين اشتد علينا الخوف فأرسل الله علينا النوم والله إنى لأسمع قول معتب بن قشير والنعاس يغشاني : (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا).
ثم أنزل الله الأمن على القلوب والطمأنينة على النفوس بالنعاس حتى كان يسقط السيف من أحدهم فيأخذه ، والنعاس في هذه الحالة نعمة من نعم الله وحدّ فاصل بين حالتي الأمن والخوف ، فإنه لا ينام الخائف أبدا.
هذا النعاس غشى طائفة من الناس هم المؤمنون الصادقون الملتفون حول رسول الله.
وهناك طائفة أخرى قد أهمتهم أنفسهم ، وملأ الخوف قلوبهم ما بهم إلا همّ أنفسهم لا همّ الدين ولا همّ الرسول والمسلمين ، وذلك لأنهم لا يثقون بنصر الله ولا يؤمنون بالرسول ، فقلوبهم هواء ، وهؤلاء هم المنافقون كمعتب بن قشير ومن لف لفه من أتباع ابن أبىّ ، يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية الأولى.
يقولون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : هل لنا من الأمر والنصر نصيب؟ يسألون كالمؤمنين في الظاهر والواقع أنهم ينكرون أن لهم شيئا من النصر والغلب.