هؤلاء الشهداء فرحون ومغتبطون بما رأوه من نعيم مقيم وفضل كبير وإكرام جليل من الله لهم ، وهم مسرورون بإخوانهم المجاهدين الذين لم يحظوا بعد بشرف الاستشهاد حينما رأوا ما أعد من الجزاء الأوفى لهم ، وهو حياة أبدية ونعيم دائم لا يكدره خوف من وقوع مكروه ولا حزن على فوات محبوب.
وهم يستبشرون ويفرحون بما يتجدد لهم من نعمة الحياة عند ربهم ورزقه لهم ويفرحون بما آتاهم الله من فضله.
الخلاصة : أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ ذكر الشهداء وأنهم أحياء عنده يرزقون ، وأنهم فرحون بما حباهم الله من فضل وكرامة ، وهذا الفضل مجمل ، تفصيله ما بعده ، أى : فضل يعود على إخوانهم في الحرب وفضل يعود عليهم أنفسهم وهو الخاص بهم في دار الكرامة وقد كرر للتأكيد ، وفرحون بمن يجاهد في سبيل الله ولم يستشهد بعد ، وهم من خلّفوهم في الحرب هؤلاء المجاهدون لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وأنهم (بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ) ليذهب الخيال في تصورهما كل مذهب ثم ختم الآية بالكلام على إخوانهم في الجهاد ، بقوله : وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ، فالمراد بهم : المجاهدون الذين لم يستشهدوا بعد ، وقد وصفهم بقوله :
الذين استجابوا لله وللرسول من بعد ما أصابهم من الجراح والألم الشديد في غزوة أحد ولبوا نداء الرسول حينما طلبهم للقاء أبى سفيان في غزوة حمراء الأسد (١) الذين أحسنوا منهم العمل وأتقنوه واتقوا عاقبة تقصيرهم في العمل ، وخافوا الله زيادة على ما هم عليه من الألم ، أجر عظيم يتناسب مع عملهم وجهودهم ، الذين قال لهم الناس ـ وهم نعيم بن مسعود كما ورد في بعض الروايات ـ : إن الناس ـ وهم قريش ـ قد
__________________
(١) غزوة حمراء الأسد : وهي متصلة بأحد ، روى أن أبا سفيان وأصحابه لما رجعوا من أحد فبلغوا الروحاء (موضع بين مكة والمدينة) ندموا على تركهم بقايا المسلمين ، وهموا بالرجوع ليستأصلوا ما بقي من المؤمنين بعد أحد فبلغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأراد أن يرهبهم ويريهم من نفسه وأصحابه قوة ، فندب أصحابه للخروج في أثر أبى سفيان وقال : لا يخرجن معنا إلا من حضر يومنا بالأمس (القتال في أحد) فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم في جماعة من أصحابه حتى بلغوا حمراء الأسد ـ موضع على ثمانية أميال من المدينة ـ (وكان بأصحابه القرح والألم) فتحاملوا على أنفسهم حتى لا يفوتهم الأجر ، وألقى الله الرعب في قلوب المشركين فذهبوا إلى مكة مسرعين ، فنزلت الآية.