وخطر جسيم على الأمة والفرد ، والظاهر أن المراد بالبخل البخل بالقدر من الزكاة المحددة والصدقة المطلقة ؛ إذ لم يأمرنا الدين بالإنفاق لكل ما نملك.
أما خطره في الدنيا فظاهر في الحملات الشعواء على الأغنياء الجشعين وشيوع الأفكار الهدامة للنظم الاجتماعية العامة ، وأما شره في الآخرة فما عبر القرآن الكريم بأنهم سيلزمون عاقبة بخلهم إلزام الطوق في العنق فلا يجدون عنه صرفا ولا محيلا.
وفي بعض الروايات عن النبي صلىاللهعليهوسلم في مانع الزكاة. يطوق بشجاع أقرع ، وروى بشجاع أسود ، وقيل : يجعل ما بخل به حية يطوقها في عنقه يوم القيامة تنهشه من قرنه إلى قدمه وتنقر رأسه وتقول : أنا مالك أنا كنزك.
وكيف تبخلون بالمال أو الجاه أو العلم؟ لأن هذا كله مما آتاه الله ، والآية مطابقة يدخل فيها كل ذلك وإن كان دخول المال فيها دخولا أوليا؟
وكيف تبخلون بالمال وتكنزونه للولد والوارث؟ ولله ـ سبحانه ـ ما في السموات والأرض مما يتوارثه أهلوها من مال وغيره فما لهم يبخلون بملكه وقد طلبه منهم؟ (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) [الحديد ٧] (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) [البقرة ٣] وفي الآية إيماء إلى أن كل ما منحه الله للإنسان من مال أو جاه أو قوة أو علم هو عرض زائل وعارية مستردة ، وصاحبه فان غير باق ، ولله تصريف الأمور ، فربما جمعت المال ليرثه ابنك حتى يكون غنيا والله لم يقدر له ذلك فيضيع ما جمعت ، ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير لا تخفى عليه منكم خافية. روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أتت اليهود رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين أنزل (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَنا) [البقرة ٢٤٥ الحديد ١١] فقالوا : يا محمد؟ أفقير ربك؟ يسأل عباده القرض ونحن أغنياء؟ فأنزل الله : لقد سمع الله ... الآية ، وفي رواية وقع نقاش بين أبى بكر ـ رضى الله عنه ـ وفنحاص اليهودي في هذا الموضوع فلطمه أبو بكر فشكا إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم فقال لأبى بكر : لم فعلت؟ قال : يا رسول الله ، إن عدو الله قال : إن الله فقير ونحن أغنياء فأنكر فنحاص ذلك فنزلت الآية تأييدا لكلام أبى بكر وتسجيلا على فنحاص ، والمعنى : سنحفظ عليهم مقالتهم ونحصيها عليهم فيعاقبون على ما قالوا أشد العقوبة.
ولا غرابة في ذلك فهم اليهود الذين مرنوا على النفاق ومردوا على السوءات ؛ فهم الذين قتلوا الأنبياء قديما بغير حق ولا ذنب إلا أنهم يقولون : ربنا الله ، ونسبة القتل