فعلى الحكام أن يبحثوا في القضية ، ويدققوا النظر في شكلها وموضوعها ، ولا تغرنهم بلاغة الخصم ولحنه في القول ، ولا تأخذهم العاطفة الدينية أو الجنسية فيميلوا لبنى جنسهم أو دينهم ، ولعل السر فيما دار في خلد النبي صلىاللهعليهوسلم أن طعمة المسلم يغلب عليه الصدق ، وذاك اليهودي يغلب عليه الكذب والخداع.
والثابت أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يحكم في هذه القضية قبل نزول القرآن ولم يعمل بغير ما يعتقد لكنه أحسن الظن في المسلم ، فبين له علام الغيوب حقيقة الأمر.
واستغفر ـ يا محمد ـ الله مما يعرض لك من شئون البشر وميلك إلى من هو ألحن بحجة أو إلى من هو مسلم لإسلامه فهذا وإن لم يكن ذنبا إلا أنه في صورة الذنب. إن الله كان غفورا لذنوب عباده ، ستارا رحيما بهم.
ولا تجادل ـ يا محمد ـ عن الذين يخونون أنفسهم بتعديهم على حقوق الغير ، إن الله لا يحب بل يبغض من كان كثير الخيانة دائبا على ارتكاب الإثم ، واجتراح السيئة!! والخيانة مطلقا تقتضي عدم المحبة من الله لصاحبها ، ولكن الوصف المبالغ فيه في الآية لبيان ما كان عليه من طعمة وأقاربه ، هؤلاء وأمثالهم الذين يأخذون المال خفية يستخفون من الناس ، ويستترون منهم حياء وخوفا ، ويا للعجب العجاب!! يستخفون من الله عالم الغيب والشهادة الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ، وبالضرورة يعلمهم ويشاهدهم وقت أن يدبروا ليلا ما لا يرضى الله ورسوله ، تبرئة لأنفسهم ولصاحبهم ولرمي غيرهم بالجريمة وهم يعلمون أنه برىء ، وما ذاك إلا لضعف دينهم ولصدأ قلوبهم ، وكان الله بما يعملون محيطا وحافظا لهم ، فكيف ينجون من عقابه؟
أيها الأقارب لطعمة : ها أنتم أولاء جادلتم عن صاحبكم ومن وقف معه تبرئة له ، زورا وبهتانا ، جادلتم في الدنيا ، فمن يجادل عنهم يوم القيامة؟ يوم تكشف السرائر ، يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله؟ بل من يكون عليهم وكيلا ومدافعا عنهم؟ لا أحد إلا أعمالهم تنطق عليهم ، فلينظر كل إلى عمله.
ومن يعمل سوءا يتعدى جرمه إلى غيره أو يظلم نفسه بفعل معصية خاصة ، ثم هو يرجع إلى الله ويتوب نادما على فعله فإنه يجد الله غفورا رحيما يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ، لأنه كتب على نفسه الرحمة ، فلا تيأسوا من رحمته ، ومن يفعل