لأنه محل طعن اليهود ، وأيوب ويونس وهارون وسليمان بن داود ، وخص هؤلاء جميعا بالذكر مع اندراجهم في لفظ النبيين لشرفهم وكرامتهم على الله. وآتينا داود كتابا زبورا ، قال القرطبي : كان فيه مائة وخمسون سورة ليس فيها حكم من الأحكام وإنما هي حكم ومواعظ وتمجيد وثناء على الله تعالى ... وأرسلناك كما أرسلنا رسلا غير هؤلاء قد قصصناهم عليك من قبل في سورة الأنعام (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) [سورة الأنعام آية ٨٤] الآيات وأجمع السور لقصصهم سورة هود والشعراء.
وهنا أرسلنا رسلا لم نقصصهم عليك لأن أممهم مجهولة غير معروفة وليس في ذكرهم كبير فائدة (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) [هود ١٢٠].
وكلم الله موسى تكليما ، وخص موسى بهذه الكرامة على سبيل التأكيد لأن قومه هم المقصودون بالحديث ، وقد كلم الله موسى تكليما خاصا ممتازا عن غيره ، أما كيف كان؟ وهل كان مشافهة أم لا. فالله أعلم بذلك كله ، على أن وقوفنا على أسرار الأثير واستخدامه ، ونقل الحديث بالراديو والتليفزيون جعل الاعتراضات القديمة شيئا بسيطا لا يعبأ به ، فالله الذي أقدر بعض المخلوقات على الوصول إلى هذا قادر جدا على خلق أشياء ليس لها مقياس معروف ولا حد مألوف.
(وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ) [سورة الشورى آية ٥١] والظاهر أن تكليم موسى ـ عليهالسلام ـ كان من النوع الثاني.
والخلاصة : أنا أوحينا إليك يا محمد كما أوحينا إلى فلان وفلان من الأنبياء وآتيناك كتابا كما آتينا بعضهم كتابا ، وأرسلناك للناس كافة رسولا كما أرسلنا لهم رسلا ، فما لهؤلاء القوم يفرقون بين نبي ونبي؟! ويؤمنون ببعض ويكفرون ببعض.
أرسلنا أولئك الرسل الذين قصصنا عليك بعضا منهم ، مبشرين من يؤمن بالله ورسله واليوم الآخر بالثواب الأبدى : جنة المأوى خالدين فيها أبدا ، ومنذرين من يكفر بالله ورسله واليوم الآخر بالعقاب الصارم نارا وقودها الناس والحجارة ، أرسلنا رسلنا لئلا يكون للناس على الله حجة (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) [سورة طه آية ١٣٤].