وحجتهم أنهم يقولون : لولا أرسلت إلينا رسلا تبين لنا الشريعة وتعلمنا ما لم نكن نعلم! إذ القوة البشرية مهما تكن تعجز عن إدراك كل جزئيات الخير والشر ، على أن عامة الناس لا يفرقون بين الضار والنافع مع احتياج الكل إلى قادة يقودونهم إلى الصراط المستقيم صراط الله العزيز الحميد : ومن الذي كان يأتى بأخبار الغيب من حساب وجزاء ، وثواب وعقاب؟؟ ... وما أتى به الرسل موافق لسنن الفطر السليمة ، ملائم للطبائع الزكية ، ومع ذلك يترتب عليه ثواب عظيم وعقاب أليم.
وكان الله عزيزا لا يغلبه متعنت ولا مكابر ، حكيما في كل صنع صنعه (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [سورة الإسراء آية ١٥].
وهؤلاء اليهود قد أنكروا نبوة النبي صلىاللهعليهوسلم ولم يشهدوا برسالته وهي أوضح من الشمس فسألوه كتابا من السماء.
إنهم لا يشهدون بذلك ولكن الله يشهد بالقرآن وكفى به شاهدا ، فالله أنزله عليك بعلمه الخاص لا يعلمه سواه ، ولقد صدق الله في وصفه (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) (١) تحدى به الكل فعجزوا (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (٢) وهو القرآن الكامل في كل شيء المشتمل على قوانين وشرائع تكفل لمن يتبعها حياة سعيدة وعزة ورخاء!! وانظر إلى قوله : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) تجد القرآن لا يمكن أن يصدر عن علم بشر ، وخاصة إذا كان يعيش في البيئة العربية قبل الإسلام ، ولعل هذا هو محط الشهادة.
فكأن القرآن بهذا يشهد للنبي بصدقه ، ولسان حاله : صدق محمد في كل ما يبلغه عن ربه ، والملائكة ومنهم جبريل يشهدون لك بالرسالة فثبتت شهادة الله تعالى بما أنزله عليك من القرآن إذ لا يستطيع أحد أن يأتى بمثله ولو اجتمع الإنس والجن ، ولا يعقل أن يكون من وضعك فأنت النبي الذي نشأ في بيئة جاهلة.
(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) (٣).
__________________
(١) سورة البقرة الآية ٢.
(٢) سورة الإسراء الآية ٨٨.
(٣) سورة الأنعام الآية ١٩.