قومهم بما رأوا. وكان موسى قد أمرهم ألا يخبروا أحدا بما يرون فنقضوا العهد إلا نقيبين منهم وهما اللذان قال فيهم القرآن : (قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ) وسيأتي خبرهما بعد في الآية ٢٣.
المعنى :
ولقد أخذ الله العهود والمواثيق على بنى إسرائيل بواسطة نبيهم موسى ليعملن بالتوراة وليقبلنها بجد ونشاط (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) [سورة البقرة الآيات ٦٣ و ٩٣] ولا يزال هذا العهد موجودا في التوراة ، وأمرناه أن يختار اثنى عشر نقيبا منهم ، يتولون أمور الأسباط ، ويقومون على رعايتهم ، وبعثناهم يتحسّسون العدو ليقاتلوه ، وقال الله على لسان موسى : إنى معكم وناصركم على عدوكم ومطلع عليكم ومجازيكم على أعمالكم.
ثم أعطاهم العهد الموثق : لئن أقمتم الصلاة وأديتموها تامة كاملة الأركان مستوفية الشروط ، وأنفقتم بعض المال الذي به تزكو نفوسكم وتطهر. وآمنتم برسلي التي سترسل لكم بعد موسى ـ عليهالسلام ـ كداود وسليمان ويحيى وزكريا وعيسى ومحمد ـ عليهم الصلاة والسلام ـ ونصرتموهم ، ومنعتموهم من الأعداء ، ووقفتم إلى جانبهم في السراء والضراء ، وأقرضتم الله قرضا حسنا طيبة به نفوسكم ، مع أنكم تقرضون ربّا له خزائن السموات والأرض قادرا كريما ، يضاعف الحسنة إلى عشرة أمثالها بل إلى سبعمائة.
تالله إنكم إن فعلتم هذا (إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإيمان بالرسل ونصرتهم والقرض الحسن) لأكفرن عنكم سيئاتكم ، فإن الحسنات يذهبن السيئات ، وأنتم بذلك تستحقون الرضوان ودخول الجنات التي تجرى من تحتها الأنهار ، ومن يكفر بعد ذلك منكم ، وينقض الميثاق فقد ضل السبيل الواضح وأخطأ الطريق المستقيم الذي رسمه الله لعباده الأبرار.
وهؤلاء اليهود ـ كما وصفهم القرآن غير مرة ـ دأبهم العناد ، وديدنهم الكفر والعصيان ، وجزاؤهم الطرد والحرمان ، فبنقضهم الميثاق ، وكفرهم بالله ورسله وعدم نصرتهم لهم وعدم تعظيمهم وتوقيرهم ، استحقوا المقت والغضب واللعن والطرد من