ذلك الكتاب ، لا ريب فيه ، هدى للمتقين ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد. أنزلناه عليك ملتبسا بالحق داعيا إليه ، مؤيدا به مشتملا عليه ، مقرا له ، مصدقا لما بين يديه من الكتب كالتوراة والإنجيل. إذ قال : هما من عند الله ، وإن موسى وعيسى رسولان من عنده ، لم يفتريا على الله كذبا وبهتانا ، وإنما حرفتم أنتم وآباؤكم ، وكتمتم ونسيتم كثيرا مما أوتيتم. حالة كونه مهيمنا على جنس الكتاب المنزل على الرسل السابقين رقيبا عليه. حيث بين حقيقة هذه الكتب وشهد لها بالصحة وبين عمل أصحابها فيها من نسيان وتحريف ، فها هو ذا قد حفظها وهيمن عليها وأظهر حقيقتها للناس.
وإذا كان هذا شأن القرآن ومنزلته. فاحكم يا محمد وكذا كل حاكم. احكم بينهم بما أنزل الله ، فهو واحد لم يتغير في القرآن والإنجيل والتوراة. على أن ما في القرآن كان ناسخا للكل متمما شاملا وما قبله كان كالمقدمة.
ولذلك قال : احكم بينهم بما أنزل الله ، فإنه الحق الذي لا محيص عنه. والمشتمل على جميع الأحكام الشرعية التي تصلح للعالم إلى يوم القيامة.
ولا تتبع أهواءهم فيما حرفوا وبدلوا. من حكم الرجم والقصاص في القتل ، والمعنى : لا تعدل عما جاءك من الحق متبعا لأهوائهم (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) قال الآلوسي ما معناه : وهذا استئناف مسوق لحمل أهل الكتاب المعاصرين للنبي صلىاللهعليهوسلم على الانقياد لحكمه. واتباع شرعه. ذلك أنهم كلفوا بالعمل بالقرآن دون غيره من الكتب ، لكل أمة منكم أيها الناس ـ الشاملون للموجودين أيام النبي صلىاللهعليهوسلم والسابقين لهم أيام موسى وعيسى ـ وضعنا شرعة ومنهاجا خاصين بتلك الأمة لا تكاد تتخطاهما ، فالأمة من بنى إسرائيل التي كانت موجودة من مبعث موسى إلى مبعث عيسى شرعتها التوراة ، وهم من مبعث عيسى إلى مبعث محمد شرعتهم الإنجيل ، والأمة من الناس أجمعين من مبعث محمد صلىاللهعليهوسلم إلى يوم القيامة شرعتها ومنهاجها القرآن ؛ لأن محمدا خاتم الأنبياء ، وأرسل للناس جميعا إلى يوم القيامة ودستوره أتم دستور وكتابه أكمل كتاب ، وليست هذه دعوة ، وإنما الواقع يؤيد ذلك.
ولو شاء الله أن يجعلكم أمة واحدة ، لها دين واحد وكتاب واحد ورسول واحد