لجعلكم كذلك ، ولكنه لم يشأ ذلك بل شاء غيره. ليعاملكم ـ سبحانه وتعالى ـ معاملة من يبتليكم فيما آتاكم من الشرائع لحكم إلهية يقتضيها كل عصر.
إذا كان الأمر كذلك فسارعوا إلى مغفرة من ربكم وتسابقوا في عمل الطاعات ، واعلموا أن المرجع إلى الله وحده وإليه المصير! فينبئكم بما كنتم تختلفون ، وسيجازيكم على ذلك كله.
وأنزلنا إليك الكتاب : وأنزلنا أن احكم بينهم بما أنزل الله ، ولا تتبع أهواءهم ، وقد كرر الأمر بالحكم بالقرآن لأن الاحتكام إلى النبي صلىاللهعليهوسلم كان في حادثة الرجم وحادثة القصاص في القتلى.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس : قال كعب بن أسد وعبد الله بن صوريا وشاش بن قيس من اليهود : اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه ، فأتوه فقالوا : يا محمد إنك عرفت أنا أحبار يهود وأشرفهم وسادتهم ، وأنا إن اتبعناك اتبعنا يهود ولم يخالفونا ، وأن بيننا وبين قوم خصومة ، فنخاصمهم إليك ، فتقضى لنا عليهم ونؤمن بك ونصدقك ، فأبى ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأنزل الله ـ عزوجل ـ وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك ... الآية. فكانت إقرارا للنبي صلىاللهعليهوسلم على ما فعل ، وأمرا بالثبات على الحق وعدم الانخداع بأقوال هؤلاء وأمثالهم.
فإن تولوا وأعرضوا ، فلا يهمنك أمرهم ولا تبال بهم ، واعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ، وهو التولي والإعراض. أما بقية ذنوبهم وما أكثرها فلهم عذاب أليم ، والله أعلم به ، وإن كثيرا منهم لفاسقون وخارجون عن حدود العقل والدين والمروءة.
عجبا لهؤلاء! أيتولون عن قبول حكمك بما أنزل الله وهو الحكم العدل والرأى الوسط الرشيد. فيبغون حكم الجاهلية؟ لعجب وأى عجب هذا؟! أهناك من يترك دستور الرحمن وهدى القرآن لرأى الجاهلية الحمقاء؟ وما كانوا عليه من التفاصيل وضياع الحقوق.
ولعمري نحن الآن وقد تركنا ديننا ونبذنا دستورنا ، لأنّا أشدّ من هؤلاء! إذ هم خارجون عن الإسلام لا يعترفون به كدين إلهى أو على الأقل لا يعرف حقيقته إلا أحبارهم ، أما نحن فندعى الإسلام ، ونأمل في الجنة وثواب الله ، ومع هذا تركنا حكم