عاقبة أمرهم خسرا ، وسوف يأتيهم أخبار وأحوال الذين كذبوا به وهو القرآن ، سيأتيهم نبأ هذا التكذيب وعاقبته (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (١) وقد أتى حيث هزموا بغزوة بدر ، وجاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجا ، هذا في الدنيا!!
وقال الرازي في تفسيره : كان حال هؤلاء في كفرهم على ثلاث مراتب : إعراض عن التأمل ، ثم تكذيب ، وثالثة الأثافى استهزاء بآيات الله وكلامه.
عجبا لهؤلاء!! ألم يعلموا نبأ من كان قبلهم ، وكيف كان مآلهم؟! .. كم أهلكنا من قبلكم من قوم أعطيناهم ما لم نعط لكم ومكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم ، وأرسلنا السماء عليهم مدرارا ، أفكان هذا كله مانعا لنا من إنزال العقوبة الصارمة بهم لما أعرضوا وكذبوا واستهزءوا؟؟ (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ) (٢) لا هذا ولا ذاك!!
ألم تروا قوم عاد وثمود ، وقوم فرعون وإخوان لوط؟!! (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ. إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ. وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) (٣) والمسلمون اليوم أخوف ما أخاف عليهم هذا الإعراض عن آيات الله والتكذيب لها عمليا ، أخاف عليهم أن يحيق بهم عاقبة أمرهم فتلك سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.
كان النبي صلىاللهعليهوسلم يضيق ذرعا بقومه من جراء تكذيبهم وعنادهم (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) (٤) وكانوا يكثرون في طلب الآيات الخاصة ، فرد الله عليهم بما ألزمهم.
ولو نزلنا عليك يا محمد كتابا مكتوبا من السماء في قرطاس وفيه دعوتهم إلى الدين بالحجة لما آمنوا به ولما صدقوك في ذلك بل ولقالوا : ما هذا إلا سحر وخيال ظاهر ليس فيه حقيقة ، وانظر إلى تعبير القرآن الكريم : (نَزَّلْنا) بالتشديد ، وقوله (كِتاباً فِي قِرْطاسٍ) والكتاب لا يكون إلا فيه ، ثم قوله : فلمسوه بأيديهم ، وقلبوا فيه وبالغوا في
__________________
(١) سورة هود آية ٨.
(٢) سورة القمر آية ٤٣.
(٣) سورة البروج الآيات ١٢ ـ ١٤.
(٤) سورة هود آية ١٢.