المناسبة :
بعد هذا الحجاج والنقاش ذكر تأثير كفرهم وعنادهم في نفس النبي صلىاللهعليهوسلم وذكر ما يسليه ببيان ما حصل لغيره من الرسل قديما.
روى ابن جرير عن السّدّىّ أن الأخنس بن شريق وأبا جهل التقيا فقال الأخنس لأبى جهل : يا أبا الحكم خبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس هاهنا أحد يسمع كلامك غيرى ، قال أبو جهل : والله إن محمدا لصادق وما كذب قط. ولكن إذا ذهب بنو قصى باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش؟.
المعنى :
قد نعلم ـ أيها الرسول ـ إنه ليحزنك ويؤلم نفسك ما عليه هؤلاء القوم ، وما يقولونه لك من تكذيب وطعن ، وتنفير للعرب عن دعوتك ، وهذه نفسك الطاهرة تتألم ، وقد رأيت عشيرتك وأهلك في ضلال وخسران ، وأنت تدعوهم إلى الهدى والفلاح فلا يسمعون ، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ، ولا تحزن عليهم ، ولا تك في ضيق مما يفعلون. فإنهم لا يكذبونك فأنت الصادق عندهم الأمين في ناديهم ما جربوا عليك كذبا ولا خيانة ، ولكنهم يعاندون ويستكبرون ، وتدفعهم الإحن والحسد والعصبية الحمقاء ، فهذا أبو جهل يقول : إنا لا نكذبك ولكن نكذب ما جئت به : فهم لا يكذبون النبي صلىاللهعليهوسلم ولكنهم يفهمون خطأ أن ما جاء به من أمور البعث والحياة الأخرى غير مطابق للواقع ، ولا يقتضى هذا أن يكون هو الذي افتراه ، على أنهم ما كذبوه في أنفسهم ولكنهم كذبوه أمام الناس فقط!! وكان إصرارهم على التكذيب مع ظهور المعجزات والآيات تكذيبا لآيات الله ، أما أنت أيها الرسول الكريم فلا تحزن عليهم وتذرع بالصبر والسلوان ، واعتبر بمن تقدمك من الرسل الكرام ، فهذه طبيعة الناس قديما وحديثا ، ولقد كذبت رسل من قبلك ، خاصة أولى العزم منهم ، فصبروا على أذاهم إلى أن نصرهم الله (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ). [سورة البقرة آية ٢١٤].
وهذه هي سنة الله في الأمم مع رسلهم ، ولن تجد لسنة الله تحويلا ، فاصبر كما صبر