أولو العزم من الرسل ، واعلم أن الله يدافع عن الذين آمنوا ، وأنه لا مبدل لكلمات الله أبدا ولا مغير لوعده.
ولقد جاءك من أخبار المرسلين التي تفيد تكذيب الناس لهم وصبرهم ونصر الله لهم (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) [غافر ٥١].
وكانوا يقترحون على النبي آيات ويعلقون الإيمان عليها : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) إلى آخر ما ذكر في الآيات من سورة الإسراء.
فرد الله عليهم بما معناه : وإن كان كبر عليك إعراضهم وما يطلبون ، ورأيت أن إتيانهم بآية مما اقترحوا يدحض حجتهم ويكشف شبهتهم فيؤمنون ، فإن استطعت أن تبتغى لنفسك نفقا تطلبه في الأرض فتذهب في أعماقها أو سلما في الجو فترقى إلى أطباق السماء فتأتيهم بآية مما اقترحوا فأت بها ، ولكنك رسول والرسول لا يقدر على شيء أبدا مما يعجز عنه البشر ، ولا يستطيع إيجاده إلا الخالق ، واعلم أنه لو شاء الله لجمعهم على الهدى وما جئت به ولكنه شاء اختلافهم وتفاوتهم واختبارهم وما يترتب على ذلك.
الناس فريقان ، فريق في الجنة ، وفريق في السعير ، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ، فريق تتلى عليه آيات الله فيسمعها سماع قبول ، وينظر إليه نظرة اعتبار وتذكر ، نظرة خالية من الهوى والعناد والاستكبار ، وهؤلاء يستجيبون لما دعاهم الله فهم كالتربة الصالحة للإنبات تقبل الماء وتنبت الكلأ.
وفريق تتلى عليه الآيات فيظل متكبرا سادرا في غلوائه ، لا ينظر ولا يعتبر ، ولا يسمع سماع قبول ، وهم موتى القلوب ، وأبعد الناس من الانتفاع بما يسمعون.
هؤلاء يترك أمرهم إلى الله فهو الذي يبعثهم بعد موتهم ، فيحاسبهم ويجازيهم ثم إليه يرجعون ، هو القادر على ذلك وحده فلا تبخع نفسك عليهم حسرات ، إذ ليس في استطاعتك هدايتهم ، إنما عليك البلاغ ، وعلى الله الحساب ، وقال المشركون المعاندون بعد نزول الآيات تترى التي لو لم يكن فيها إلا القرآن لكفى قالوا : هلا نزل عليه آية من ربه كما اقترحنا ، وقد قالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً* أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً* أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً* أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ