المعنى وصدر سورة البقرة به (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) فالذين يؤمنون بالغيب ، ويؤمنون بالحياة الأخروية هم المنتفعون بالقرآن ، أما الماديون الذين لا يؤمنون بغير المادة ، فقد ختم الله على قلوبهم وأعمى أبصارهم وجعل في آذانهم وقرا فلا ينتفعون بنور القرآن أصلا (إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ) [سورة فاطر آية ١٨].
واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى ، يريدون وجهه ، ولا تعد عيناك عنهم ، ولا تطردهم عن مجلسك ، فهم المخلصون لك المؤمنون بدعوتك ، يريدون بهذا وجه الله ، لا نفاقا ولا رياء ولا سمعة.
روى أحمد وابن جرير والطبراني في جماعة آخرين عن عبد الله بن مسعود قال : مر الملأ من قريش على النبي صلىاللهعليهوسلم وعنده صهيب وعمار وبلال وخباب ونحوهم من ضعفاء المسلمين فقالوا : يا محمد ، أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا؟ أنحن نكون تبعا لهؤلاء؟ اطردهم عنك فلعلك إن طردتهم أن نتبعك. فأنزل الله فيهم (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا) إلى قوله تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ).
وفي رواية أخرى وقع في نفس عمر بن الخطاب حسن عرضهم ، فلما نزلت الآية أقبل عمر فاعتذر ، فأنزل الله (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) [سورة الأنعام آية ٥٤].
وقد كان من علامات النبوة أن يتبع النبي ضعفاء الناس لا أشرافهم ، تذكر قصة هرقل ، وقد سأل الوفد أيتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم؟؟
فقيل : بل ضعفاؤهم ، فقال : هكذا الرسل من قبله (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) من قصة نوح في سورة هود [الآية ٢٧ وما بعدها].
ولما ذا تطردهم؟ ما عليك من حسابهم من شيء إن كانوا غير مخلصين ، وما عليهم من حسابك من شيء ، فكل نفس بما كسبت رهينة (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) وما عليك أنت إلا البلاغ (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) [الغاشية ٢١ و ٢٢]
إنك إن طردتهم تكن من الظالمين لأنفسهم بعدم امتثالهم أمر الله ، ومثل ذلك الابتلاء العظيم ابتلينا بعضهم ببعض لتكون العاقبة أن يقول هؤلاء المشركون المغرورون حينما يرون